سورية والتعويم النقدي وحكاية الغدر الأمريكية..
أ.د: حيان أحمد سلمان:
يكثر الحديث هذه الأيام عن (التعويم النقدي) وخاصة بين أوساط الاقتصاديين السوريين وكيف يؤثر تأثيرا مباشرا على كل المؤشرات الاقتصادية وعلى المستويين
( الاقتصاد الكلي Macroeconomics) و(الاقتصاد الجزئي Microeconomics) ويرتبط بالسياسة الاقتصادية المعتمدة بشكل عام وبالسياسة النقدية بشكل خاص لأن التعويم يتأثر بشكل مباشر بحجم تدخل الدولة ممثلة بالحكومة ومستشارها الاقتصادي وأداتها التنفيذية (البنك المركزي Central bank) بنك البنوك ، وللتعويم علاقة قوية مع سعر الصرف لكن لا يتطابق معه، حيث إن سعر الصرف يعبر عن سعر عملة ما ( الليرة السورية ) مقابل العملات الأخرى أي كم يعادل الدولار أو اليورو أو الروبل أو اليوان .إلخ من الليرات السورية، ويؤكد التاريخ النقدي أنه شهد عدة أنواع من أسعار الصرف ومنها نذكر أسعار الصرف الثابتة حيث تقوم الحكومة بتحديد سعر صرف عملتها بكمية محددة وثابتة من الذهب، ويتمّ التبادل بين الدول على هذا الأساس،كما حصل عند اعتماد ( قاعدة الذهب Gold Standard ) بين سنتي /1717 و1933/، وخلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ومع توسع تداعيات الأزمات الاقتصادية وخاصة أزمة
( الكساد الكبير ) سنة /1929/ والتي استمرت /10/ سنوات وكانت نتيجة للحرب العالمية الأولى ومهدت للحرب العالمية الثانية حيث توسعت دائرة الفوضى الاقتصادية العالمية في الدول الكبرى في ذاك الوقت
(المملكة المتحدة والولايات المتحدة )، وغيرهما وعندها اعتمدت على تخفيض قيمة عملاتها مقابل الذهب بهدف تخفيض الأسعار لزيادة التصدير وهذا تطلب الخروج عن قاعدة الذهب المذكورة أعلاه. وبناء على تداعيات الحرب العالمية الثانية دعت أمريكا سنة /1944/ لعقد مؤتمر دولي يخصص لمعالجة الفوضى الاقتصادية العالمية، لكن كان هدفها هو ضمان سيطرتها على الاقتصاد العالمي، وفي ذاك الوقت كانت تترسخ معالم انتقال القوة الاقتصادية من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة الدعوة عقد الاجتماع سنة /1944/ في مدينة ( بريتون وودز ) في ولاية ( نيو هامبشير ) الأمريكية وقاده كل من الاقتصادي البريطاني المعروف
(جون مينارد كينز ) والأمريكي (هاري ديكستر وايت )، وبعد مداولات شاقة نتج عن الاجتماع ولأول مرة في التاريخ البشري ظهور مؤسسات دولية تكفلت بقيادة الاقتصاد العالمي وهي ( صندوق النقد والبنك الدولي والاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية GATT والتي تحولت في سنة /1995/ إلى منظمة التجارة العالمية WTO)، وعرفت هذه المؤسسات باسم مؤسسات بريتون وودز ، وتم الاتفاق على إلغاء العمل بقاعدة الذهب من خلال ربط ( الدولار بالذهب وربط العملات الدولية بالدولار ) أي أن كل عملة تتحدد قيمة صرفها بكل من الدولار ومن ثم الذهب، وظهر نتيجة لذلك ( الدولار الذهبي) أي أن كل من يملك دولاراً أمريكياً يمكن أن يتوجه إلى أي بنك أمريكي ويستبدله بالذهب ووفق المعادلة التالية [ كل أوقية من الذهب / 31/ غراما تعادل /35/ دولاراً أي أن كل دولار يعادل 35/31= 1،13غرام ذهب ] . والآن كم يعادل الدولار من الذهب حيث إن سعر الأونصة بتاريخ كتابة هذا المقال هو /1885/ دولاراً، أي أن سعر غرام واحد من الذهب يعادل ( 1885/31= 61 دولاراً تقريبا) ؟!، أي أن أمريكا غيرت بسعر عملتها حوالي /61/ مرة أمام الذهب، وهنا (سر المسألة) وبما يؤكد بأنها تسخر أي شيء مقابل حماية وتعزيز دولارها وقد تستنفر قوتها العسكرية من أجل ذلك لأنها تستغل العالم بورقتها الخضراء !، وأمام الأزمات الأمريكية اتخذ الرئيس الامريكي ( ريتشارد نيكسون ) بتاريخ 15/8/1971 قراراً بقطع العلاقة بين ( الدولار والذهب) أي إنهاء العمل بقرارات ( بريتون وودز )، وهذا يعني أن أمريكا غير مستعدة لتحويل الدولار إلى ذهب وفق معادلة ( 35 دولاراً للأوقية ) وتم إلغاء سعر التعادل الرسمي لدولارها وحمايته، وكانت أكبر عملية خرق نقدية في التاريخ البشري وأطلق عليها اسم ( صدمة نيكسون )، وبالتالي انتهى العمل باتفاقية بريتون وودز وكل هذا لتحقيق المصلحة الأمريكية فقط بغض النظر عن مصالح دول العالم الأخرى، ومنذ ذلك الوقت بدأ ظهور مصطلح
( تعويم العملة Floating) وللتعويم عدة أشكال ومنها التعويم الكامل، أي ترك أسعار الصرف لقوى السوق أي الطلب الكلي والعرض الإجمالي، والأسواق هي التي تحدد سعر صرف أي عملة. والتعويم الموجه أي ترك سعر الصرف لقوى السوق و تتدخل الحكومة عبر مصرفها المركزي ( بيع وشراء القطع) إذا زاد عن حد معين. وبشكل عام فإن الدول التي لجأت إلى التعويم تعرضت لمشاكل اقتصادية كبيرة (تراجع القوة الشرائية وارتفاع معدل التضخم وزيادة تهريب الأموال والرساميل وبؤر التوتر والتوجه نحو الدولرة..إلخ، لذلك نرى أن الحل ليس بالتعويم وإنما بتوسيع دائرة التعامل بسلة العملات وخاصة عملات الدول الصديقة واستحداث بنوك مشتركة وتعزيز ليرتنا السورية من خلالتعزيز إنتاجنا ولا سيما الزراعة والصناعة.