«مرايا» سهير رمضان… طربوشٌ وتفاحةٌ وبرواظ
تشرين-لبنى شاكر:
أمضتْ سهير رمضان السنوات الثلاث الأخيرة في التنقل بين صافيتا ومرسم أدونيا في دمشق، لإنجاز مجموعة لوحات، تحت إشراف الفنان أيمن الدقر، شكَلت معرضها الفردي الأول «مرايا»، والمُستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري في المركز الثقافي في «أبو رمانة»، وكما هي العادة في الخطوات المبنية على شغفٍ قديم، حمّلت التشكيلية أعمالها انطباعاتٍ وصوراً ذهنية، تزاحمت فيها الرموز والإشارات، والأهم تساؤلات عمّا ستؤول إليه التجربة عموماً في قادم الأيام.
بدأ اهتمام رمضان بالرسم مبكراً، ولطالما رافقتها الخربشات والرسوم العفوية وكلمات الإعجاب بما تُقدّم، لكن ظروفاً مُعينة حالت دون دراستها الفنون، فتوجهت إلى المعهد الهندسي، وطوّعت ما تعلمته في التشكيل، ثم اتبعت عدة دورات، واستفادت من كل ما أُتيح لها، بما في ذلك آراء وملاحظات قالها فنانون ومختصون، وشاركت في معارض جماعية، بعضها مع جمعية شموع السلام، والتي تضم مجموعة من الفنانين وتدعم النشاط الثقافي.
استوحت رمضان أعمالها من مواقف حياتية عايشتها، فأعادت إنتاجها وِفق خيالٍ رحب، يُجيد الإيماء والتلميح، ويذهب بالمُتلقي إلى حيث المعنى الحقيقي للوقائع والأحوال مهما بدت المعاني مُتشابكة. تقول في حديثٍ إلى «تشرين»: «ما يحدث حولي من حوارات وتفاعلات ومفاجآت وردّات فعل غير مُتوقعة، حرّض خيالي لِأُضيف وأصنع، وأبحث بموازاة هذا عن خطٍ خاصٍ بي، أتمنى أن يكون بمنزلة بصمة».
تحكي اللوحات في مُجملها عن المرأة، فهي كما ترى رمضان اختارتْ عن وعيٍ وإدراك مكاناً مُحدداً، تحملت من خلاله مسؤولياتٍ صعبة، فكانت صاحبة التضحيات التي لا تنتهي والمشاعر الموزّعة على الجميع، وحين استغلها الآخرون وعدّوا ما سبق واجباً عليها، لم تتوقف عن العطاء والبذل، حتى أصبحت كَوناً بأكمله، وهو ما عبّرت عنه في التركيز على الوجوه والعيون الواسعة القادرة، على حد تعبيرها، على إظهار كل ما هو في العمق.
اشتغلت الفنانة على الرموز التي يُمكن عدّها سِمة طبعت وميّزت باكورة معارضها، كالتيجان والحِبال والسبحات وغيرها، فألبست النساء في لوحاتها طرابيش حمراء، كانت في زمنٍ سابق دليلاً على ثراء الرجل وسلطته، وربما استبداده أيضاً، ووضعت بجانب الوجوه الأنثوية المُؤطرة في براويظ ضيقة، تفاحة، الرمز الأشهر عن الحب والإغواء والرغبة، إضافةً إلى أحجار شطرنج، تقابَل فيها الأبيض والأسود وجهاً لوجه، كأنها تشرح ببساطة كيف تبادلت النساء الأدوار مع الرجال المُتعبين كذلك، دوناً عن اللواتي يُؤدين الأدوار جميعها.
وجوه النساء أيضاً، أصبحت جزءاً من معالم المُدن، فاستحالت الشوارع والأبنية والحواري، إلى تفاصيل على الجبهة والوجنتين والفم والعنق، لكنها مع ذلك، مُقيدة، بما حمَلته لنفسها وحمّلها إياه الناس، لذلك جمعت رمضان بين مشوار حياتها المُرهق وما كانت عليه حضاراتٌ وأقوام سابقة، ازدهرت وكبُرت وغابت، لكنّ أثرها لم ينقطع أبداً.
استخدمت الفنانة ألوان الإكريليك، وجعلت منها عنصراً مُعبراً في حد ذاته عن مفاهيم ووجهات نظر، فالأصفر هو التراب الأصل، والأزرق الطفولة، في حين الأخضر الحياة والبنفسجي القوة، هكذا غاب اللون الواحد لمصلحة التنوّع والتوظيف، في تجربة تشكيلية جديدة تقرأ ما حولها، وتدعو للتمعّن فيه، والتوقف حيث يجب.