الفنان عمار الشوا يستحضرُ السيارات المرميّة في الشوارع الخلفيّة

تشرين- لبنى شاكر:
لم يسبق أن كانت السيارات المرميّة في الشوارع الخلفيّة موضوعاً لمعرضٍ فني؛ ربما لأنّ التخلّي عنها بِركنها قرب رصيفٍ ما أو خلف بناءٍ مهجور، يُؤكد تحولها إلى قمامةٍ مرّ عليها زمنٌ طويل، يُقارب أحياناً ثلاثين وأربعين عاماً، اختبرتْ فيها الصدأ والتداعي والتآكل والفناء، وفي المُقابل كانتْ شاهداً على أطفالٍ يلعبون، جعلوها جزءاً من لعبة غميضة، أو علامةً تنتهي عندها أرض الملعب، ولعلّها عرفت حكايات حبٍ وثرثرات ومكائد وأمنيات، حتى أصبحتْ جزءاً من المكان، رغم أنها لم تدخل حيّز الاهتمام عند كثيرٍ ممن مَروا جانبها.
هذا التناقض، في أن تكون ولا تكون، طرحٌ قدمه الفنان عمار الشوا في معرضه المُقام مُؤخراً في صالة عشتار، عرضَ فيه 26 لوحةً معظمها لسياراتٍ قديمة، حجزتْ لنفسها أمكنةً ثابتة في مناطق مُختلفة في دمشق وصافيتا وجبلة، إضافةً إلى عدة جراراتٍ زراعية وقوارب، طالها الإهمال والتناسي، ففقدتْ عجلاتها وأخشابها، بعضها مَال إلى جهةٍ ما، وأخرى اختفى لونها الأصلي واكتسبت لوناً ثانياً،هو مزيجٌ من فعل الشمس والمطر والعبث، غير أنها تمسّكتْ بما تبقى من هيكلها الأساس وهيئتها الأولى، كمحاولةٍ أخيرة للدفاع عن حقها في الوجود.
لا يرى الشوا في فكرة معرضه خطاً جديداً أو تجربةً مُستحدثة له، إنما هي فكرةً تنتمي إلى حدٍ ما للواقعية التعبيرية الرومانسية، اختار لها تكنيكاً يتماشى معها، وعلى حد تعبيره «يجب أن يمتلك الفنان مرونةً داخلية للتعاطي مع أفكاره وترجمتها، وإلّا سيقع في إشكالية الجمود، فمن غير المقبول أن يُعبّر عن موقفه من الموجودات حوله بنفس الآلية واللغة البصرية». يُضيف الشوا لـ «تشرين»: «الوجود بالكامل، حولنا وأبعد، مشغولٌ بموسيقا صوتية وبصرية، الأشياء على اختلافها مفردات موسيقية، تُخاطبنا بلحنٍ ما، يومياً أمرُ بجانب سيارةٍ مُهملة، وهي تختلف باستمرار، اليوم غير البارحة وما سبقه، هذه الملاحظة تجعلنا نرى العالم بطريقةٍ مختلفة».
النفايات الحديدية متفاوتة النوع والحجم وشركات التصنيع، استطاعت التأقلم مع مأواها الجديد، تماماً كما يفعل البشر حين يشيخون، يتمهلون أثناء صعود الدرج، يمتنعون عن الملح والسكر الزائدين، يرفضون الزيارات واستقبال الضيوف، وينامون باكراً بعد تناول جرعة الدواء المُخصصة لما قبل النوم، كذلك تماهت السيارات مع الطبيعة التي شكّلت خلفيةً لمعظم اللوحات، ومن الغريب أن الأشجار نبتت في عددٍ منها، ربما امتدت الجذور إليها من شجرةٍ مُلاصقة، وفي بعضها عششت العصافير، ووجدت القطط بيتاً لصغارها، كأنّ الحياة تتجدد من تلقاء نفسها، بل من الموت والألم والتخلّي.
المُتبقي مما كان يوماً مُلكاً لأحدٍ أو لعائلةٍ، لم يجد من يُطالب به، الجميع تركوه يواجه مصيراً غير عادل، رغم أنهم انتظروا يوماً ما القوارب العائدة من رحلات الصيد، والسيارات الواقفة على شارات المرور، والأكثر غرابة أن تلك السيارات التي تطلّب شراؤها سنواتٍ من جمع المال والاستدانة والأمل بركوبها مع الأهل والمقرّبين، لم تعد جذّابة أبداً، فلم يُبادر أحد لتجديدها أو تغيير قطعها، ولم يجمعها حظها السيئ بأولئك الذين يتفاخرون بجمع السيارات من الموديلات القديمة، إلى أن دخلت بأبوابها المخلوعة وجلدها المُمزق ومقاعدها المفقودة برزخ الخردة بانتظار نهايةٍ محسومة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
وافق على تأمين 5 آلاف طن من بذار البطاطا.. مجلس الوزراء يعتمد الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة 1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة يُخرِج منظومة التحكيم المحلي من مصيدة المماطلة الشكلية ويفعِّل دور النظام القضائي الخاص.. التحكيم التجاري الدولي وسيلة للاندماج في الاقتصاد العالمي