أفول وانبثاق

العملية الروسية في دونباس لم تأتِ من فراغ، وما دفع موسكو لخوض غمار الحرب ليس أسباباً ذاتيةً فحسب، بل وموضوعية فرضت حضورها بقوة على تلك البقعة الجغرافية، وكان لابدّ للقيادة الروسية من اتخاذ القرار الحاسم والحازم لوضع حدّ لسلطة كييف التي رهنت نفسها والبلاد والشعب ومقدراته للغرب ولخدمة أجنداته على نحوٍ يناهض المصلحة العليا لأوكرانيا، ويقوّض أمن روسيا القومي، ويهددّ السلام والاستقرار في العالم.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخّص الحالة الأوكرانية بأدق تفاصيلها، ونقل للرأي العام العالمي الصورة الحقيقية على الأرض بعيداً عن التضليل والخداع الغربي، أثناء خطابه المتلفز الذي استبق العملية العسكرية بعد أن استنفدت بلاده كل السبل لإعادة الوضع في أوكرانيا إلى ما ينبغي أن يكون عليه، عبر حثّ سلطتها على التخلّي عن نهجها السياسي الخاطئ وفك ارتباطها مع الغرب الذي فرض هيمنته، وعزز عسكرته عبر عزم حلف شمال الأطلسي “ناتو” التوسع في أوكرانيا وعدد من الدول المحيطة بروسيا لتطويق الأخيرة ومحاصرتها وإشعال فتيل حرب تكون أوكرانيا بوّابته ومسرح عملياته في مواجهة روسيا، الأمر الذي لم ولن تسمح به موسكو مطلقاً مهما كان الثمن.
لم تترك سلطة أوكرانيا الموالية للغرب لحلّ عقدة الأزمة التي افتعلتها مع جارتها روسيا وعمقها الاستراتيجي إلا خيار العسكرة في التعامل معها لنزع فتيل الخطر الداهم المهدّد للأمن الروسي، متسلحةً بالدعم الغربي لها، إذ ظنت من خلاله أنها تستطيع أن تكون خارج سرب الإقليم في النهج والسياسة وحتى في الاقتصاد، وإن كان فعلها هذا يتعارض مع مصالحه بما فيها مصالح أوكرانيا، وسط دعوات موسكو المتكررة إلى عودة كييف إلى السرب حفاظاً على المصالح المشتركة وأمن الإقليم ككل بما فيه أمن أوكرانيا، لكن من دون جدوى مع تصاعد الخطر الغربي المهدّد للجميع.
ورغم ما حققته روسيا من تقدم عسكري أحكمت قواتها من خلاله السيطرة على العديد من المواقع في أوكرانيا ، فإن سلطة الأخيرة بقيت متعنّتة ورافضةً التفاوض مع موسكو، بعد تنصل حلفائها الغربيين من الدفاع عنها بعد النفخ الغربي في قربتها حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من حيث الوقوع في فخ معاندة روسيا ومصالح بلادها ومستقبلها وأمن البلدين المشترك اللذين تربطهما وحدة المصير، ما دفع موسكو إلى الدعوة لإعادة تشكيل السلطة في أوكرانيا وإعلان حكومة جديدة محايدة تلاحق النازيين الجدد ومحاكمتهم لتخليص البلاد والمنطقة من شرورهم ومن مخاطر مشغليهم في الغرب، معلنةً أن بقاء قواتها في أوكرانيا هو من أجل استعادة السلام إليها.
إن مواجهة روسيا وحلفائها للإرهاب والتطرّف الغربي ونازيته الجديدة تبشّر بأفول الأحادية القطبية وانبثاق عالم جديد متعدد الأقطاب، يحترم القوانين والمواثيق الدولية وسيادة الدول واستقلالية قرارها وفق الشرعية الدولية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
تسويق ٩٧ ألف طن من القمح في حماة.. ماذا عن المبيدات المستخدمة في مكافحة الأمراض؟ "صرافات العقاري" في اللاذقية خارج الخدمة بسبب مشكلة فنية عامة.. والأهالي يتساءلون عن الجهوزية في المصارف بتوجيه من الرئيس الأسد.. العماد إبراهيم يزور عدداً من قواتنا العاملة في أرياف حماة وإدلب ودير الزور والجرحى في مشفى حلب غريفيث يؤكد أن «إسرائيل» حوّلت القطاع إلى جحيم على الأرض.. المكتب الإعلامي في غزة: أكثر من 16 ألف طفل استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة بعد ارتفاع أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية.. شركات تبحث بدائل له في الشكولاتة.. تضاعف سعره 3 مرات خلال العام الماضي أقدم المحاصيل المزروعة في العالم.. فوائد صحية مذهلة لا تعرفها عن الفاصوليا الخضراء ما بين «الحفرة» و«البئر».. أكبر كوابيس أميركا وكيانها على جبهة الشمال قد تتحول واقعاً.. هوكشتاين إلى المنطقة اليوم في زيارة منزوعة المفعول طالب أوكراني يحوّل الأشجار الذابلة إلى ورق بكين وموسكو.. ثنائي مُتكامل في مواجهة الهيمنة الغربية.. ودعوات للتحرك وتغيير الصيغة الدولية خطاب نووي أميركي متصاعد.. روسيا وحلفاؤها في الواجهة والمواجهة