قبل أن تثبت الرؤية
على ما يبدو أن هوامير السوق وتجار الأزمة لا يفوتون اقتناص أي فرصة لزيادة ثرواتهم من جني أرباح فاحشة على حساب جيوب الفقراء.. الذين لم تقتصر مرارة معاناتهم على ويلات الحرب على مدى أكثر من عشر سنوات، بل فاقمها الغلاء الفاحش الذي ضيق عليهم الخناق وعقّد سبل عيشهم.
إن هؤلاء التجار الفجار وفور صدور قرار إعادة توجيه الدعم.. سارعوا إلى رفع أسعار معظم المنتجات والسلع وبنسب متفاوتة حسب نوع المادة وشدة الطلب عليها.. مستغلين عدم نجاعة الرقابة وضعف جدوى العقوبات، وهذه الارتفاعات انطلقت من جميع حلقات السلسلة التجارية بدءاً بالمنتجين والمستوردين ثم تجار الجملة ونصف الجملة وصولاً لباعة المفرق بمسوغ أن الدعم قد رفع عنهم، ومن الأمثلة البسيطة ما رأيناه بالعين المجردة في محال الألبسة التي رفعت أسعارها بين ليلة وضحاها بنسب تصل نحو عشرين في المئة، وكذلك محال السمانة التي زادت أسعارها أيضاً وبنسب مقاربة لما سبق، حتى تجار أسواق الهال فعلوا فعلتهم برفع أسعار الخضار إلى حوالي الثلاثين في المئة، وكل من يتردد على الأسواق أصبح يتلمس الطفرة السريعة في غلاء مختلف المواد.
على الشاكلة نفسها، فإن أصحاب الحِرف والمهن لم ينتظروا حتى تثبت رؤية هلال استبعادهم من الدعم، فزادوا تحليقاً بأجورهم التي هي بالأساس تجاري الغيوم وتسن حسب المزاج بلا ضوابط أو معايير، علماً أن الكثيرين منهم وخاصةً في الأرياف يعملون من دون تراخيص أو سجلات تجارية أو انضمام إلى غرف التجارة والصناعة في ظل الظروف السائدة، أي أن معظمهم غير مستبعد من الدعم أصلاً لعدم وجود بيانات لهم للبناء عليها.. وتالياً لا مبرر لهم برفع الأسعار والأجور.
ما يحدث يؤشر إلى أن الفقير الذي بقي تحت مظلة الدعم هو من سيتحمل الجزء الأكبر من التبعات المالية المترتبة على غيره من التجار وأصحاب المهن والحرف الحرة من جراء رفع الدعم عنهم، ليبدو المشهد وكأن الفقراء هم من رُفع عنهم الدعم وليس المقتدرين، وهنا يلاحظ أن قرار إعادة توجيه الدعم لم يقتصر في علّاته على أخطاء البيانات، بل إنه لم يتنبه إلى ضرورة لحظ الإجراءات التي كان يتوجب أن ترافق صدوره ولاسيما الرقابة الصارمة على الأسواق ومنع أي زيادات غير مبررة على أسعار السلع وأجور الخدمات.. فهل من استدراك.. أم فات الأوان ولا جدوى؟.