سورية تشارك في المؤتمر الإقليمي لمنظمة الفاو في بغداد.. وزير الزراعة: أهمية تصحيح مسار تقديم الدعم والانتقال من الإغاثة إلى مشاريع تنموية
بمشاركة 30 دولة بينها سورية انطلقت اليوم أعمال الدورة الـ 36 للمؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” في العاصمة العراقية بغداد، تحت شعار “التعافي ومعاودة التشغيل”، والتي تستمر حتى اليوم الثلاثاء.
وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا بين في كلمة له أهمية انعقاد المؤتمر للتباحث في أولويات التنمية الزراعية والريفية وتحسين حالة الأمن الغذائي والتغذية وتحديد هذه الأولويات وإقرارها.
وأكد الوزير أن المنظمة تساهم بكل جدية ومسؤولية، ومن خلال خططها وأنشطتها وبرامجها، وباستخدام كفء لما يُتاح لها من موارد، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع الاعتراف بما كان لهذه المشاريع والبرامج، من أثرٍ بالغ على حياة ملايين السكان الريفيين في الدول التي نُفذت فيها.
وقال الوزير: تنعقد الدورة 36 لمؤتمر منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي في ظل سلسلة كبيرة من التحديات، إذ تواجه دول الإقليم أشكالاً متعددة من هذه التحديات المتعلقة بالتغيرات المناخية وتكرار حالات الجفاف، أو الكوارث الطبيعية، أو الحروب والنزاعات، أو الأوبئة والجوائح التي كان آخرها جائحة فيروس كورونا، وغيرها، وطالت آثار هذه التحديات القطاع الزراعي والسكان الريفيين وسبل عيشهم بأقسى الأشكال، وهددت سلاسل إمدادات الغذاء وحالة الأمن الغذائي، وحثت السكان على مغادرة الريف والقطاع الزراعي نحو مناطق أو قطاعات أخرى تتوفر فيها الفرص والموارد، وصعبت مهمة الحفاظ على الموارد الطبيعية الشحيحة أصلاً.
وأضاف: إن المزيد من التأخر في مواجهة هذه التحديات وغيرها من خلال نُهُج جديدة وبرامج مبتكرة ومتكاملة، سوف يفاقم من آثارها ويصعب القدرة على استيعابها، ويهدد تحقيق أي من أهداف التنمية المستدامة.
وأشار الوزير إلى أن الحكومة السورية أولت المسألة الزراعية والريفية اهتماماً كبيراً تجلت نتائجه في النهضة الزراعية التي حدثت قبل بداية الأزمة السورية في عام 2011، ونظراً لحجم الأضرار غير المسبوق الذي لحق بالقطاع الزراعي منذ بداية الأزمة السورية، فقد تراجعت جميع المؤشرات التنموية سابقة الذكر، وواجه الشعب السوري صعوبات بالغة طالت شتى مناحي حياته اليومية، واتبع إستراتيجيات تكيف حادة من أجل الصمود.
وأوضح الوزير أن التدابير القسرية أحادية الجانب والعقوبات التي تم فرضها على سورية، تسببت في التأثير بشكل مباشر على حياة المواطنين عموماً والمنتجين الزراعيين خصوصاً، وأدت إلى تهديدات كبيرة في حالة انعدام الأمن الغذائي بسبب القيود المفروضة وصعوبة توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي، كما أدت إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والأسعار، ما أدى بدوره إلى الحد من قدرة السكان على الوصول إلى الغذاء.
وتابع: إن القيود المفروضة على التجارة السورية تسببت من جهة أخرى في الاستخدام غير الرشيد للموارد بسبب السعي لتحقيق الأمن الغذائي من خلال اتباع نظم إنتاج زراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي بغض النظر عن الكفاءة.
وأكد الوزير ضرورة مراعاة المعايير والاتفاقيات الدولية في إدخال المساعدات والمنح الإنتاجية، وذلك حفاظاً على منظومة الصحة النباتية والحيوانية التي عملت الجمهورية العربية السورية على بنائها مع منظمة الأغذية والزراعة منذ عقود طويلة، وقال: في هذا السياق نود تأكيد رفضنا القاطع للانتهاكات التي يتم ممارستها في شمال وشرق سورية، والتي تعتبر خرقاً واضحاً للالتزامات الدولية التي تحفظ حقوق الدول في مواردها الوراثية، حيث تم إدخال كمية من قدرت بـــ (3) آلاف طن من بذار القمح المصاب بالنيماتودا كمساعدات، وهو ما يؤدي إلى عدم إمكانية استثمار الأراضي المزروعة به لعدة مواسم لاحقة، ويؤدي إلى خلط الأصناف المعتمدة للزراعة في المناطق السورية وتدهور إنتاجيتها.
ذاكراً أن هناك العديد من الممارسات الأخرى التي من شأنها أن تتسبب في تدمير سبل العيش الزراعية وزيادة حالة انعدام الأمن الغذائي، ويزيد من التأثيرات السلبية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي يواجهها الشعب السوري.
ومن ذلك تهريب الأغنام والأبقار والقمح والمنتجات الزراعية السورية إلى دول الجوار، والحرائق المفتعلة التي أصابت أجزاءً واسعة من الغابات والبساتين والحقول الزراعية عام 2020، وسهولة انتشار ودخول الآفات والأمراض العابرة للحدود، وغيرها، بالإضافة إلى موجات الجفاف وآثار التغيرات المناخية، وموجات الجراد الصحراوي التي عانت منها سورية وبعض دول المنطقة في العام الفائت، وضعف القدرة على دعم خدمات البحث العلمي الزراعي والإرشاد الزراعي، ودمار البنية التحتية الزراعية وشبكات الري الحكومية ومصادر الطاقة، وانخفاض المستوى التكنولوجي للإنتاج، وضعف الاستثمارات الزراعية، وصغر حجم الحيازات الزراعية، وصعوبات التمويل الزراعي والشمول المالي لصغار
المنتجين الزراعيين، نصبح أمام حلقة محكمة تطبق على أنفاس الشعب السوري الصامد في وطنه.
وقال الوزير: إن الصعوبات التي تواجه عملية التحول في النظم الزراعية والغذائية ستكون مضاعفة في الدول التي تواجه الأزمات وبناء على ذلك، فإنه من الأهمية إعادة توجيه الدعم باتجاه هذه الدول بشكل أكبر من غيرها، وذلك لمساعدتها على الصمود وتحسين قدرتها على تحقيق متطلبات التنمية المستدامة، وفي هذا المجال قامت وزارة الزراعة في سورية مؤخراً بإطلاق ملتقى لتطوير القطاع الزراعي شاركت به مختلف الأطراف من الجانب الحكومي والخاص والأهلي، وقد تمت صياغة الأولويات في مجالات الإنتاج والموارد والاقتصاد الزراعي والتنمية الريفية، وإن وضع منظومة البرامج هذه موضع التنفيذ يتطلب دعماً من المنظمات الدولية وان تكون شريكاً فاعلاً بما يساهم في تنفيذ هذه البرامج.
وأكد الوزير أن الدمج بين مخرجات ملتقى تطوير القطاع الزراعي في سورية والنقاشات الدائرة في الاجتماعات التحضيرية للدورة 36 لمؤتمر الفاو الإقليمي، يساهم في تحديد رؤية واضحة من أجل مواجهة التحديات من خلال نشر واعتماد نهج الصحة الواحدة لتعزيز الأمن الغذائي، والتحول الريفي وبناء قدرة المجتمعات الريفية على الصمود، ونظم زراعية وغذائية أكثر كفاءة وشمولاً واستدامة في ظل التغيرات المناخية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والإدارة المستدامة للحراج والغابات في إطار التوافق مع الإطار الإستراتيجي لمنظمة الأغذية والزراعة 2022- 2031، وتعزيز إدارة الموارد المائية للتكيف مع التغيرات المناخية، والإدارة المستدامة للمراعي في البادية وتنميتها من خلال إعادة تأهيل المحميات الرعوية.
وأشار الوزير إلى أهمية تصحيح المسار المتبع في تقديم الدعم من خلال الانتقال من الإغاثة والمساعدات العاجلة إلى مشاريع تنموية للنهوض بالقطاع الزراعي بمشاركة القطاع الخاص وجميع الأطراف، لذلك أولت الحكومة السورية اهتماماً بالغاً بمبادرة يداً بيد التي أطلقها مدير عام منظمة الأغذية والزراعة، تماشياً مع التزام الأمم المتحدة بعدم ترك أي شخص يتخلف عن الركب، من خلال مشروع بناء القدرات وتأهيل فريق وطني قادرة على استخدام التكنولوجيا ومعالجة البيانات للوصول إلى خطط الاستثمار التنموي التي تتوافق مع الأولويات الوطنية والتنمية المستدامة، ما يفضي إلى وضع خطة تدخلات أكثر ملاءمةً وكفاءةً وأثراً، كما يجب العمل على زيادة الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا ودعم البحوث العلمية الزراعية، وتطوير الحلول الرقمية التي تلبي مطالب جميع الأطراف الفاعلة في النظام الزراعي الغذائي، كما أننا بحاجة إلى إستراتيجيات إقليمية تتجاوز الحدود الإدارية للدول في مواجهة التغيرات المناخية التي لا تكفي الإجراءات القطرية لمواجهتها.
واختتم الوزير: تتطلع الحكومة السورية إلى بذل المزيد من الجهود الأممية والدعم لاستعادة النهوض بنظم الزراعة والغذاء، والحد من القيود المفروضة على التجارة، ما يسهم في التعافي والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة في ثرواتها ومقدراتها، ونتمنى لهذه الاجتماعات النجاح وأن تتوج أعمالها بسلسلة من النجاحات، كما نتقدم لدولة العراق الشقيق بعميق الشكر على الجهود المبذولة في استضافة المؤتمر والعمل على نجاحه.