أذكر.. ما قبل سن 18 بأيام الصبا والشباب والجلاءات المدرسية، لم تكن تزعجني العلامات المكسورة من مثل تسعة ونصف ولا حتى سبعة ونصف لأنني كنت مؤمنة بمقدراتي الغائبة كخطأ حصل سهواً ، وبأن هذه النصف سوف تجبر على حد زعم مفرداتنا أيام زمان وستكون تسعة ونصف عشرة، وسبعة ونصف جيداً في دفتر علامات الموجهة، هذا الجبر أثلج صدري أيضاً عند الباعة وأصحاب المحلات حيث كانوا يتبعون سياسة الحذف لكل ما هو كسور وليرات.. لا أعلم من أين جاءت مفردة(جبر) لكنني أردها -بتصرف- لمقولة وجدانية فحواها(جبر الخواطر) جبر الخواطر والنصف علامة والكسور راوح مكانه يوم كانت فيه علامات موادنا الدرسية بالعشرات وصارت اليوم بقدرة جدولة تربوية بالألوف، وصارت حساباتنا لدى الباعة و(الدكنجية) أرقاماً مؤلفة لا يصح فيها توصيف (فراطة) على النقود.
ما بين جيلين بقي دفتر الديون رغم اصفرار أوراقه وذكريات المحتوى، لكن في طياته لا يزال يروي معاناة جيل وواقعة حب أثمرت عن هدية عيد أم (دفاية ومروحة وتلفون لاسلكي.. وبراد ماء بحنفية ساخنة وباردة) مقتنيات عادية لكنها في أغلب البيوت لم تكن شيئاً ميسوراً لولا دفتر الديون.
هذا الدفتر الميمون كيف يمكن أن يصير ويتحول من ترف ذاكرة لحسرة وندم وشجون؟
إلا إذا صارت المدفأة والمروحة وبراد الماء في بيت أهلك العجايز (إكسسوار)، حتى التلفون اللاسكي الذي جلبته في عيد الأضحى كي تيسر أمام وجع مفاصل والدتك والركبة وتساعدها بعدم النهوض للرد على مهاتفتك صار أيضاً ديكوراً في الصالون..
جبر الخواطر بات شيئاً غائباً عن روزنامة خاطرك بقلة حيلتك أمام معادلات الطقس (الزمهرير) وارتفاع منزل ذويك كيلومترات عن مستوى سطح البحر والمعنيون بخدمات المنطقة، لتكون الغصة أكبر من (بيدون مازوت) وشمعة نور حيث لا تلفون يرن لتطمئن على عجائز يسكنون الجرد وتنقطع عنهم التغطية والتلفونات الأرضية مع كل تقنين يجبر فيه موظفو الكهرباء ساعة الوصل لتصير مكسورة لصالح (المحولة)..لأنهم مؤمنون بمقدراتنا على فهم أخطائهم على أنها مرت سهواً.