تساؤلات محقة بانتظار الأجوبة المنطقية
في ظل الظروف الصعبة التي آلت إليها بلادنا عبر مسببات مركّبة ومتشابكة، منها ما هو خارجي ومنها ما يحوي ثغرات غير مقصودة، ومنها ما هو اختباء وراء الظروف، الكثير من الأسئلة التي تدور في أذهان المتابعين والمراقبين وأصحاب المعاناة كل من مجهره.
فنتائج الحرب القذرة التي كلفت ما يفوق ٦٠٠ مليار دولار وما نجم عنها من تدمير ملايين المنازل والمحال والمعامل وخروج طاقات إنتاجية كبيرة، وانعكاسات إرهابية مضاربة على الليرة، وتهريب وسرقة ونهب وفساد، واستثمار غير صحيح للعقوبات، والخناق الاقتصادي غير الشرعي واللا إنساني واللا قانوني والذي أصبح شماعة للكثير من الأشخاص والدول للتهرب من المسؤولية الإنسانية والشرعية، وتبرير كل المعاناة والثغرات وتحميلها للعقوبات والحصار.
السؤال الأول: هل سيستفاد من التعديلات التي تضمنها قرار واشنطن الخاص بالعقوبات المفروضة على سورية، فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، قبل أيام، أنها قررت تعديل العقوبات المفروضة على سورية لتوسع نطاق التفويض المتعلق بأنشطة منظمات غير حكومية معينة (NGO)، Non-governmental organization.
القرار الأمريكي الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الخارجية «أوفاك»، يسمح الترخيص للمنظمات غير الحكومية بالمشاركة في القيام ببعض الأنشطة غير الهادفة للربح في سورية.
ومن أهم هذه الأنشطة: المشاريع الإنسانية التي تلبي الاحتياجات الإنسانية الأساسية، التعليم، مشاريع التنمية غير التجارية التي تعود بالنفع المباشر على الشعب السوري، والحفاظ على مواقع التراث الثقافي وحمايتها.
كما يشمل القرار توفير الرعاية الصحية والخدمات المتعلقة بالصحة «مثل ترميم المرافق الصحية، وتوزيع المعدات الطبية والإمدادات والأدوية، والتدريب الفني للعاملين في مجال الرعاية الصحية والإشراف عليهم»، وتوفير الدعم التعليمي وخدمات التدريب، «مثل إعادة تأهيل المدارس المحلية، وتوفير التدريب ودعم المعدات للمعلمين المحليين، والتدريب ودعم المعدات للمسؤولين المحليين في عمليات وإدارة البنية التحتية الحيوية، وتوفير التدريب المهني والتدريب على إدارة الأعمال».
ويشمل أيضاً توفير الخدمات المتعلقة بالزراعة، «مثل تجديد المطاحن والصوامع والمخابز لتحسين الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات الصحية البيطرية والمستحضرات الصيدلانية لتعزيز صحة الماشية، والتدريب وتوزيع المواد ذات الصلة بالزراعةۚ.
وحسب ما تداولته بعض وسائل الإعلام، يشمل القرار أيضاً الأنشطة المتعلقة بالمساعدة في المأوى، والمساعدة كذلك في الحصول على المياه النظيفة «مثل إعادة تأهيل وترميم شبكات المياه التي تضررت من جراء النزاع، والصرف الصحي، والبنية التحتية للنظافة، وتوفير قطع الغيار ذات الصلة، والتدريب، ودعم صيانة المعدات، وإعادة تأهيل مضخات وقنوات الري».
أما بالنسبة للمعاملات والأنشطة غير المسموح بها، فينظر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في طلبات الترخيص على أساس كل حالة على حدة.
السؤال الثاني: هل جاء وقت النظر للطرف الآخر من المعادلة الاقتصادية المتعلقة بالمواطنين وقدرتهم الشرائية في ظل الأريحية التي سادت القرارات المتعلقة بالحالة الاقتصادية للفريق الاقتصادي عبر فوضى الأسعار ورفعها وتغيير طريقة الحصول عليها وعبر توفير السلع بالسعر الحر خارج البطاقة الإلكترونية وتوفيرها لمن يحتاجها زيادة على مخصصاته، وبالتالي الفوائض المتحققة هل ستستثمر في مسارب تحسن المعيشة للمواطن عبر تحسين قدرته الشرائية عبر زيادة علنية للأجور والرواتب، ولن نقول كما روّج بعض الأكاديميين ٣٠٠ بالمئة وإنما هو مبلغ مقطوع يجب أن يصل لحدود ١٠٠ ألف، مع مراعاة ضبط الأسعار في ظل وجوب معرفة تامة بحدودها وإمكانية التأثير فيها، فمن دون ضبط الأسعار فاق التضخم الحدود وأصبح كرة ثلج متزايدة؟ وهل سنلحظ من لا يعمل وظروف التشرد والغربة عن المدن الأساسية؟
وهل ستكون طريقة إيصال الدعم إلى مستحقيه على قول الفريق الاقتصادي وسط أسلوب شفاف متكامل تبريري يخفف من الضغط النفسي والامتعاض الاجتماعي؟ وهل ستستثمر موارده في الدعم بمفهومه الواسع وليس الضيق؟
وهل يعبر تصريح وزارة التعليم والتربية بأن التعليم ما زال للجميع وما زال مجانياً؟ وهل سيكون هناك اتجاه لمعايير جودة حقيقية أم شكلية كما حصل سابقاً؟
وهل ستنظر الحكومة بمن يلعب بالأسعار وخاصة العقارات والإيجارات عبر تلاعب منظم ومنها ما يدخل بالجرائم الإلكترونية وكذلك بالاستعانة بتقليص دور الجمعيات والمؤسسات السكنية من أجل فرض الأسعار التي يريدونها والمتزامنة مع رفع غير منضبط لأسعار مواد التكلفة؟
ألم يحن الوقت لضبط التضخم الناجم عن أسلوب الحكومة في رفع أسعار منتجاتها وفرض الرسوم والضرائب، ما جعلنا ننظر إليها على أنها جابية للأموال وتحول اقتصادنا إلى ريعي، ما ضاعف أرباح محتكري ومستوردي المواد؟
وهل هناك إمكانية لفرض جودة الخدمات الصحية والعودة لضبط خدمات القطاع العام ومراقبة التأمين ليكون عادلاً ويعطي القدرة للمواطن على أن يعرف ما له وما عليه؟ وهل يمكن وضع معايير لتسعير الأدوية والخدمات تراعي قدرات أغلب المواطنين؟
وهل هناك نية وإرادة في السير بإصلاح إداري متزامن مع إعادة قراءة للقوانين والقرارات التي اتخذت في ظروف استثنائية؟
وأخيراً هل سنضغط لتحرير ثرواتنا وأراضينا وإزالة الألغام التي توضع أمام الحلول الوطنية؟
وهل ستسارع الدول الصديقة والمحيطة لاستثمار التعديلات الأمريكية بما يعدل الظروف ويخفف المعاناة أسوة بما مُورس مع الدول المحيطة؟
وهل هناك نيات لإعادة «الأنسنة» للسوريين المتجذرين تاريخياً وبُناة الحضارات العالمية، بعدما تعاونت كل المخالب الامبريالية للضغط بشتى أنواع الإرهاب لمحاولة إعادتهم إلى العصور الحجرية وفشلت وفوجئت؟
تبقى هذه الأسئلة منطقية من قلب المعاناة بانتظار الأجوبة المقنعة الواقعية بعيداً عن اللف والدوران والاستغباءات.