في ذكراها الـ 51.. لماذا نتمسك بإحياء الحركة التصحيحية عاماً بعد عام؟

الوطن أولاً وأخيراً.. والإنسان هو الغاية والهدف

لماذا نتمسك -نحن السوريين- بإحياء ذكرى الحركة التصحيحية عاماً بعد عام رغم كل ما مر على بلادنا من ويلات ومآس بفعل الحرب الإرهابية التي تتعرض لها منذ أكثر من عشر سنوات؟

سؤال يتكرر طرحه في كل ذكرى، إذ يفترض السائل أن محطاتنا ومناسباتنا الوطنية تراجعت في غياهب ما عشناه ونعيشه مع استمرار تلك الحرب الإرهابية.

صحيح أن جيشنا الباسل استطاع أن يحرر ويطهر أغلب الأراضي السورية من دنس الإرهابيين، وهو ماض في طريقه لإنجاز التحرير الكامل، إلا أن تبعات هذه الحرب وتداعياتها القاسية، خصوصاً على الأوضاع المعيشية، كان لا بد لها أن تغرقنا -نحن السوريين- في هموم يومية تبدأ ولا تنتهي وبما ينسينا محطاتنا ومناسباتنا الوطنية والتي كانت علامة فارقة وجذرية في تاريخ بلادنا، ومنها الحركة التصحيحية المجيدة التي نحتفي اليوم بذكراها الـ51.

أياً يكن مقصد السائل -عن حسن نية أو عن سوئها- فإننا نجيبه وبالحماسة نفسها في كل ذكرى: لأن الحركة التصحيحية خرجت منا وانتمت إلينا.. خرجت من الوطن وانتمت إليه.. قادها رئيس منا، انتماؤه للوطن والشعب.. وانتماؤه لأمة، عمل حتى آخر لحظة في حياته، لأن تكون أمة عربية واحدة.. إنه القائد المؤسس حافظ الأسد.

بل إن السوريين من خضم مآسيهم ومعاناتهم يصرّون على الاحتفاء بذكرى الحركة التصحيحية، لأن سورية القوية، سورية الدور والمكانة والمنعة والقلعة الحصينة بوجه الأعداء، هي نتاج الحركة التصحيحية، وهذا ما أثبتته لهم الحرب الإرهابية التي تشن عليهم وعلى بلادهم لسلبها قوتها ومكانتها ودورها.

لماذا نسميها مجيدة؟

يقول السوريون: لأن من قادها أجاد الفعل والقرار، وأجاد القيادة.. ولأنها حققت مجد القول والفعل ومن خلفهما النية الوطنية الصادقة.. ولأنها كانت واستمرت تعلي مجد الوطن وأهله.. ولأنها مجدت فعل العطاء بلا حدود وبلا مقابل، فأعطت وأكثرت، بل أجزلت العطاء.. ولأنها في مراحلها المتقدمة خرجت من سوريتها. صحيح أنها كانت سوريّة الهوية والفعل والانتماء والقيادة إلا أنها في جزء من نتائجها وعطائها كانت قومية الهوى، طالما أن قائدها المؤسس حافظ الأسد توجه في كل فعل وقرار لأن يكون له في نهاية المطاف مصلحة قومية تستهدف كل الأمة.

بعد ثلاث سنوات من الحركة التصحيحية المجيدة، قامت حرب تشرين التحريرية، فكانت هذه الحرب وما حققته من نصر سوري- عربي/قومي، تتويجاً لأولى منجزات نهج التصحيح.. وعن قومية الحركة والمعركة وقومية المنجزات والنصر، يقول القائد المؤسس حافظ الأسد: «أروع الإنجازات وأبعدها أثراً هو ما تحقّق على الصعيد القومي، وأبرزها حرب تشرين التحريرية التي خاضت قواتنا المسلحة غمارها على جبهة الجولان ببسالة تبعث على الفخار، وكفاءة تدعو إلى الاعتزاز، وحقّقت مع القوات العربية المصرية الباسلة على جبهة سيناء، ومع سائر الأشقاء الأبطال الذين قاتلوا على الجبهتين نصراً لأمتنا العربية سيبقى بعيد الأثر في حياتها، وشديد الوطأة على أعدائها».

نهج التصحيح

يتحدث السوريون عن سورية ما قبل الحركة التصحيحية وما بعدها.. وكلهم يتحدثون عن سورية ما قبل الحرب الإرهابية، وما بعدها، أي يتحدثون عن سورية في عهد التصحيح الذي لم ينقطع ولا في أي عام.. كل السوريين يتحدثون كيف كانت سورية وفي كل ذكرى تصحيح تشهد تدشين الكثير من المشروعات الاقتصادية والتنموية والخدمية والمعيشية، وفي كل المحافظات والمدن، وصولاً إلى أبعد المناطق والقرى.. هذا عدا عن تأسيس وبناء دولة المؤسسات والقانون والتعددية التي كانت على رأس أولويات نهج التصحيح.

يتحدثون عن نهضة شاملة عامة بقيت مستمرة منذ قيام الحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني من عام 1970، لم تتوقف إلا مع اندلاع الحرب الإرهابية على سورية بداية عام 2011، علماً أنه حتى في ظل أقسى سنوات هذه الحرب لم تتوقف الدولة السورية عن بذل أقصى جهودها لإدامة عملية التنمية والتطوير، وتلبية احتياجات المواطنين.

الخلاف والاختلاف

ليس بالضرورة أن يتفق الجميع على ما سبق ذكره، لطالما كان هناك أصحاب رأي مختلف، من دون أن يُفسد ذلك للود قضية كما يُقال، المهم ألا يختلف السوريون على الوطن كقضية تعلو ولا يُعلى عليها.

بكل الأحول، نادراً ما يكون هناك إجماع على موقف أو قضية حتى بالنسبة للمحطات التاريخية الجذرية/ الفارقة في مسار الإنسانية.. هناك إجماع فقط على التوصيف، أي «فارقة وجذرية».. أما لناحية الإجماع على «مع» أو «ضد» فهذه يمكن أن يقال فيها، وبالمجمل هذا كله تابع أو يتبع المصالح والولاءات، وبدرجة أوسع الأيديولوجيات، خصوصاً المتطرفة، والدينية على رأسها.. ولا ننسى المطامع والمطامح وما تجرّه من خيانات ومؤامرات وويلات تفعل فعلها، وهي الأخطر.. وبالنتائج النهائية فإن كل ما ذكر ليس بينه الانتماء الوطني الذي يجب أن يكون أساس كل رفض أو قبول لهذه المحطة التاريخية أو تلك مهما اختلفت المواقف وتضاربت الآراء، فكيف إذا كانت المحطة التاريخية –موضع الخلاف والاختلاف– من المحطات التي أثبتت المراحل التي أعقبتها أنها كانت محطة واجبة لازمة للتأسيس والبناء وتحقيق الأمن والاستقرار.

منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية عام 2011 لم يتوقف تحالف العدوان وأدواته من أصحاب الولاءات والمصالح والأيديولوجيات عن استحضار المحطات في تاريخ سورية الحديث في سبيل إدانة الدولة وكل ما قامت وتقوم به، ليس في سبيل الوطن والوطنية.. وليس في سبيل إقامة وطن للجميع, بل في سبيل إقامة كانتونات فئوية متطرفة.. بمعنى لو كان استحضار المحطات الداخلية بنيّات طيبة ولمصالح وطنية خالصة لما كان في المسألة ضرر ولا ضرار، ولكن كيف إذا كان الضرر وطنياً عاماً، والمتضررون هم أبناء الوطن.

وعليه أياً كان الخلاف والاختلاف والجدل حول الحركة التصحيحية، فلا جدال ولا خلاف على أنها حركة أسست لأربعة عقود من الاستقرار والأمن، ومن البناء لسورية قوية محصّنة على كل الصعد.. هذا البناء وهذه القوة قادا لأن تأخذ سورية دورها ومكانتها عربياً وإقليمياً، وأن تكون لها الأهمية التي تستحقها والتي لم يستطع أحد –على الصعيد الإقليمي والدولي– تجاهلها أو تجاوزها.

إذا أردنا التأريخ لسورية الحديثة فلا بَّد أن نبدأ من الحركة التصحيحية، وليس من أحد ينكر أنها حركة انتمت للوطن كلياً وليس لشخص أو جماعة أو لتشكيل فئوي أو طائفي أو طبقي.. وغير ذلك، وهذا ما أثبتته المراحل اللاحقة التي نَعِم فيها السوريون بالأمن والاستقرار، وعاشوا وعايشوا فيها مراحل البناء والتطوير والتحديث، كما عاشوا وعايشوا أكثر من مؤامرة واستهداف لبلادهم، وكيف كان النصر حليفها نحو مزيد من القوة والبناء وتعزيز المكانة الإقليمية والدولية، وصولاً إلى عام 2011.. إلى أشرس حرب إرهابية تتعرض لها دولة في العالم، ومع ذلك لم يتخلَّ السوريون يوماً عن ثقتهم بالنصر وبقدرة جيشهم على تحقيقه.

إذاً، في قاموس السوريين -أو لنقل أغلبية السوريين حتى لا يأخذنا البعض بتهمة التعميم- في قاموس أغلبية السوريين كانت الحركة التصحيحية حركة نحو المستقبل، المنظور والبعيد.. وفي رأي أغلب المحللين والمراقبين فإن أحداثاً وتطورات كبرى وقعت ما كانت لتحصل لو لم تقم الحركة التصحيحية وتنجح في تحقيق أهدافها، وفي أولها وأعظمها حرب تشرين التحريرية.

المؤسسات والقانون والتعددية

أهمية الحركة التصحيحية تنطلق بشكل أساسي مما أنجزته وفي زمن قياسي، أو ما مهدت له، لتتحول سورية إلى دولة المؤسسات والقانون والتعددية، هذه الدولة هي من تصدى ويتصدى لأعتى الهجمات الإرهابية.

ولعل أهم إنجازاتها داخلياً، إضافة إلى بناء الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي هي:

– تشكيل مجلس الشعب (الذي بدأ أعماله في 22 شباط عام 1971).

– قانون الإدارة المحلية (وفق مرسوم أصدره القائد المؤسس حافظ الأسد في 11 أيار 1971) بهدف تركيز المسؤوليات في أيدي الشعب ليمارس بنفسه إدارة شؤونه من خلال جعل الوحدات الإدارية في كل المستويات مسؤولة عن الاقتصاد والثقافة والخدمات وغيرها.

– تشكيل لجنة من الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية (وفق القرار الذي أصدره القائد المؤسس حافظ الأسد في 24 أيار 1971) لوضع ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية الذي تم التوقيع عليه من جميع الأحزاب المشاركة في 7 آذار 1972 وحُددت مهام الجبهة على الصعيد الوطني والقومي والدولي كما حُدد نظامها الأساسي ومؤسساتها.

– إقرار الدستور الدائم للبلاد والذي عُدّ نافذاً من تاريخ إقراره بالاستفتاء الشعبي الذي تم في 12 آذار 1973.. وفي مُقدمة ما أكد عليه الدستور أن «الحرية حق مقدس والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن حريته».

– كما صدرت عدة تشريعات خاصة بالمرأة لتعزيز دورها ومكانتها، ودعمها فكرياً وثقافياً ومعنوياً، وفتح آفاق العمل لها في مختلف المجالات وتبوؤ مراكز قيادية مهمة، لتصبح عنصراً فاعلاً في بناء المجتمع وتقدمه.‏

الإنسان هو الهدف

ما سبق مهدت له الحركة التصحيحية بـ:

1- وحدة وطنية متماسكة على قاعدة إعادة اللُّحمة بين القمة والقاعدة.

2- الانتماء للوطن أولاً وآخر.

3- هيأت للاستقرار السياسي بعد مرحلة عانت فيها سورية سلسلة من التوترات والاضطرابات.

4- إعادة التوازن إلى كل القطاعات الاقتصادية والخدمية والتعليم والبحث العلمي وربطه بمتطلبات التنمية.

5- التأكيد أن الوطن هو الغاية، والإنسان هو الهدف، والقانون فوق الجميع، وأن نهج العمل الوطني هو المراجعة والتحديث والتطوير والشفافية ومعالجة الخلل ومكافحة الفساد وتجسيد القيم الأخلاقية وأمانة المسؤولية والنزاهة والكفاءة والإخلاص.

6- تنمية القوى الذاتية والاعتماد على الموارد والطاقات الوطنية وتطويرها، وامتلاك أدوات المعرفة والعلم وتكنولوجيا المعلومات وتوظيفها في خطط التنمية وتشجيع الاستثمار وتحديث القوانين والتشريعات وتطوير الإدارة.

7- اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص وتكامل الحرية مع العدالة والدفاع عن مصالح الوطن وتوفير حاجات الشعب واستحقاقات الصمود وتحرير الأرض.

الاحتفاء بالتصحيح

نعم.. يتمسك السوريون بإحياء ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة كل عام، وهم يثقون بأن بلادهم صمدت وقاومت، وهي تحقق الانتصارات لأنها تستند إلى أساسات متينة بُنيت حجراً فوق حجر على مدى 40 عاماً من الأمن والاستقرار والإنجازات والنجاحات.. هذه الأساسات هي المستهدفة في الحرب الإرهابية التي تتعرض لها سورية منذ أكثر من عشر سنوات، دون أن تنجح في النيل منها أو زحزحة هذه الأساسات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار