«طوربيدات» بايدن والعلاقات الأطلسية المخدوعة

ألقت صفقة الغواصات الفرنسية بظلالها على مسار العلاقات الأوروبية- الأميركية، والأوروبية– الأوروبية، وما يقابله في العلاقات الفرنسية وحلف الأطلسي «ناتو» مع الدولار الأسترالي، والسعي لاستهداف الصين.

لم تكن فرنسا وحدها التي صُدمت بالخدعة الأنغلو- أميركية. إذ بقي الحلفاء الأوروبيون الآخرون في الظلام. وطغى الانفجار بين فرنسا من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا من جهة ثانية على التحالف العسكري الجديد المسمى (أوكوس) الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي جو بايدن لمنطقة المحيطين الهادئ والهندي.

وحسب الموقع المذكور، تبدو الخطوة الإستراتيجية غبية إلى حد ما، وقصيرة النظر، كونها أدت لإحداث ثغرة في تحالف واشنطن مع فرنسا، ومع شراكات الأطلسي الأوسع، ليأتي الرد الفرنسي الغاضب بسحب السفيرين من أميركا وأستراليا، والذي يُعد خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الأوروبية- الأميركية.

من الواضح أن الفرنسيين خدعوا من واشنطن ولندن على ضوء ما تم اتخاذه في الغرف الخلفية. فالعقد الذي تبلغ قيمته ٥٦ مليار يورو بين أستراليا وفرنسا لبناء أسطول من ١٢ غواصة تم توقيعه لأول مرة عام ٢٠١٦،  وألغي أو استبدل بعقد مع واشنطن وبريطانيا لتزويد أستراليا بثماني غواصات تعمل  بالطاقة النووية، بينما تضمن عقد الغواصات الفرنسية أن تعمل على الديزل والكهرباء. وهذا يمثل خسارة كبيرة في الإيرادات المالية لفرنسا، إضافة لضربة قوية للوظائف البحرية الفرنسية، والصناعات الملحقة بها.

ولم يخف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الغضب الفرنسي الشديد قائلاً: هذه طعنة بالظهر، هناك ازدراء، وأكاذيب.. لا يمكننا العمل ضمن تحالف وبهذه الأساليب. (في إشارة واضحة لحلف شمال الأطلسي).

ثم ألغت فرنسا اجتماعا كان مقررا في لندن بين وزيري الدفاع الفرنسي والبريطاني، ليبدو أن الأمر أسوأ بكثير مما كان عليه الحال عندما سقطت فرنسا بخلاف مع أميركا وبريطانيا عام ٢٠٠٣ بسبب غزو العراق.

فيما قال مستشار الأمن القومي البريطاني السابق والسفير السابق في فرنسا بيتر ريكيتس لـ«بي بي سي» وفق ما نقلته صحيفة «الغارديان» البريطانية: هذا أكثر بكثير من مجرد خلاف دبلوماسي، هذا يحدث شرخاً كبيراً وسط حلف الأطلسي.

وما يثير استياء الفرنسيين بشكل خاص، هو أن التحالف الجديد كان موضع نقاش خاص لعدة أشهر مع استبعاد باريس وأعضاء الحلف الآخرين.

والمفارقة الأهم هي أن بايدن جاء إلى البيت الأبيض بوعود لإصلاح الشراكات عبر الأطلسي التي دمرها سلفه دونالد ترامب. ومع زيارة بايدن إلى بريطانيا وبلجيكا في حزيران الماضي، ظهر ما يشبه الحب مع القادة الأوروبيين، وتعهدات أميركية كبيرة بأن (أميركا عادت).

وبالرغم من أن أستراليا ليست عضواً في الحلف، فقد عقد بايدن اجتماعاً مغلقاً مع رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون بحضور رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وذلك على هامش اجتماعات قمة العشرين التي بحثت في النقاط الأساسية لتحالف جديد عبر الأطلسي. وكان منسق السياسة الخارجية الأوروبية جوزيف بوريل قدم رؤية إستراتيجية جديدة للاتحاد الأوروبي، تضمنت ما يتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقال بوريل لوسائل الإعلام: لم يتم إبلاغنا بشأن التحالف الجديد.. لم نكن على علم.. نأسف لعدم إبلاغنا.

فيما قال عضو المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية فريدريك غري: “تحطمت الثقة السياسية”.

ويرى الأوروبيون أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من أفغانستان، وعدم التشاور مع الشركاء الأوروبيين الأطلسيين، فإن الرئيس بايدن يدق في عين فرنسا، ويركلها في خزائنها بألم قدره ٥٦ مليار يورو، ويبدو أن استعداد واشنطن لتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، وبالتعاون مع بريطانيا، هي سياسة هجومية واضحة أكثر تهوراً تجاه الصين.. بينما دانت بكين تحالف واشنطن باعتباره نذير للمزيد من مسارات «الحرب الباردة» وقالت:” سيؤدي ذلك لانعدام الأمن في المنطقة.. ولسباق تسلح جديد”.

*عن «إستراتيجيك كالتشر فاونديشن»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار