المياه المشتركة بين الدول والحاجة لقوانين صارمة من الأمم المتحدة

عدم وضوح القوانين والقرارات التي تصدر عن الأمم المتحدة بشأن مياه الأنهار التي تمر في أكثر من دولة يجعل هذه الدول تقع تحت تأثير المنازعات التي تصل أحياناً إلى حد النزاع المسلح، وقد شاءت حقائق الجغرافيا أن تكون منابع ثلاثة مصادر مائية عربية من خارج حدود الوطن العربي وهي، النيل الذي ينبع من إثيوبيا والفرات ودجلة اللذان ينبعان من تركيا، ما يشكل مخاطر جدية على الأمن المائي العربي وخاصة في مصر والسودان وسورية والعراق، ففي العقود الماضية عانت سورية والعراق من الأطماع التركية في نهر الفرات الذي ينبع من الأراضي التركية ماراً بالأراضي السورية ومنها إلى الأراضي العراقية ليصب في الخليج العربي، والأزمة في جوهرها مرتبطة ببناء تركيا السدود وعدم قبول الحكومات التركية المتعاقبة بالأعراف الدولية.

خلال الآونة الأخيرة برزت بوضوح أزمة سد النهضة، لتعيد طرح المخاوف وتضع مصر والسودان أمام تحديات حقيقية أو بمعنى آخر أمام خطر جدي على الأمن المائي لمصر والسودان ولاسيما أن الحكومة الإثيوبية لا تزال ترفض التفاهم مع مصر والسودان والاعتراف بالمواثيق والأعراف الدولية ما يقود إلى التساؤل عن موقف القانون الدولي تجاه التصرف المنفرد من دول المصدر لمياه الأنهار التي تصب بالبلدان العربية.

شكلياً لا توجد نصوص واضحة ومباشرة من هيئة الأمم المتحدة والمنظمات المنضوية تحت مظلتها فيما يتعلق بتقسيم مياه الأنهار، لكن القواعد الأساسية لمعالجة قضايا الخلاف في هذا الموضوع متوفرة في وثائق الأمم المتحدة وفي تجارب الدول ذات العلاقة بهذه المسألة وتتضمن تلك الوثائق نصوصاً تشريعية وأحكاماً ومعاهدات واتفاقيات تزيد على 250 بين معاهدة واتفاقية تنظم هذه العلاقة يمكن أن تكون قاعدة قياسية يستند عليها لمعالجة موضوع الأنهار التي لم يتم التوصل إلى أساس قانوني بشأنها

يرجع السبب في عدم وجود معاهدات عامة وشاملة عن الأنهار الدولية إلى اختلاف وضع كل نهر على حدة، بالإضافة إلى أن محاولات تدوين قواعد قانونية تحكم تقاسم المياه في كل الأنهار لم تكتمل بعد ومع ذلك هناك معاهدات متعددة بين الدول الأطراف تتعلق ببعض استخدامات الأنهار الدولية ، وأهمها معاهدة فينا عام 1857 ومعاهدة السلام 1919-1923 ومعاهدة جنيف عام 1923 عن تنمية الطاقة التي تمس أكثر من دولة ، حيث تمثل المعاهدات الثلاثة الأولى بداية انبثاق قانون دولي خاص بالأنهار .

عرّفت معاهدة فينا النهر الدولي بأنه النهر الصالح للملاحة ويمر عبر أراضي دولتين أو أكثر ، فكان التعريف الأول من نوعه بهذا الخصوص وهو تعريف جغرافي بصيغة قانونية يمكن القياس عليه لغير أغراض الملاحة ، بمعنى آخر فإن هذا التعريف أخضع الأنهار التي تشاطرها أكثر من دولة لقواعد قانونية.

تكمن أهمية معاهدة جنيف حول تقاسم مياه الأنهار فيما أقرته من مبادئ ، إذ نصت على حرية الدول في استخدام المياه التي تمر عبر أراضيها لأغراض التنمية ضمن قواعد القانون الدولي ، وأكدت على ضرورة إجراء الدراسات المشتركة وتحقيق التعاون بين الدول المعنية وواجب التفاوض لعقد معاهدات الاستخدام الأمثل لصالح جميع الأطراف ، وقد تركت تلك المعاهدة آثارها على إعلان مونتيغديو الخاص بالأنهار الدولية عام 1939 والميثاق الأوروبي للمياه عام 1967 .

ما لاشك فيه أن وجود أكثر من 250 معاهدة فيما يتعلق بتنظيم استخدام مياه الأنهار ، نشرت الأمم المتحدة أحكامها ، إلى جانب كثرة التحكيم في هذا المجال تشكل دليلاً واضحاً على قناعة الدول بعدم قانونية التصرف الانفرادي في المياه الدولية ، وأن هناك قواعد تحكم استعمال هذه الأنهار من المستحسن تحديدها بما يتماشى مع وضع النهر الخاص.

إن كثرة المعاهدات الدولية الثنائية على مدار عشرات السنين وعلى امتداد العالم يمنحها مع الوقت الشرعية لتصبح بمثابة العرف الدولي ، لكن قوة القانون بمفردها ليست كافية لصيانة الحقوق في المياه الدولية إن لم تسندها قوة مماثلة تتمثل في تمسك العرب بحقوقهم ودفاعهم عن ثوابتهم وأمنهم القومي الجماعي.

عن: مجلة “الإيكونومست” البريطانية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مجلس التشاركية يناقش واقع تنفيذ مشاريع التشاركية مع قطاع الأعمال الوطني والمراحل التي وصلت إليها الجزائر والأردن وسلطنة عمان وتونس تعزي باستشهاد الرئيس رئيسي مجلس الشعب يتابع مناقشة مشروع قانون إحداث الشركة العامة للصناعات الغذائية الرئيس الأسد في رسالة تعزية لقائد الثورة والحكومة والشعب الإيراني: نعرب عن بالغ اﻷسف والمواساة لهذا الحادث اﻷليم والفقد الكبير أوراق علمية وبحثية يناقشها المؤتمر العلمي للبحوث العلمية الزراعية على مدى يومين.. لصقات مسمار القدم.. هل لاستخدامها أي أعراض جانبية؟ تضامن عربي ودولي وبرقيات تعزية لإيران بوفاة الرئيس رئيسي ووزير الخارجية والوفد المرافق لهما المهندس عرنوس يوجه رسالة تعزية إلى السيد محمد مخبر النائب الأول للرئيس الإيراني حادث المروحية واستشهاد الرئيس رئيسي حدث يوازي بصخبه الثقل الدولي لإيران .. أميركا و«منْ يحكم غزة».. هكذا ترتب واشنطن لـ«اليوم التالي» على قاعدة «إسرائيل المهزومة» وبمخاطر عالية على المنطقة الهلال الأحمر الإيراني: فرق الإنقاذ الإيرانية هي من قامت بعملية البحث عن حطام طائرة الرئيس