لم تكن دعوة عادية، بل كانت بمنزلة التشريف لخاطري الذي يحمل لفلسطين أسمى المشاعر وأبلغ الأماني بزيارتها من خلال غزة المنكوبة أبداً كمثيلاتها من قرى فلسطين الحبيبة إثر احتلال “إسرائيل” استوطن خريطتها كخلية سرطانية نهشت ولاتزال من بنية دولة عربية وعلى أعين المجتمع الدولي..
قبل ما يقارب العشر سنوات وأكثر.. كان السلوك الأبشع القادم من الشيطان الإسرائيلي الذي لم يسكن لفعل القتل والتدمير بل تعدى ذلك لسلوك آليات إجرامية تمثلت بحصار غزة ومنع وصول أي إمدادات إليها لتكون السكين الذي يذبح الشعارات الإنسانية ويلامس سلة غزة الغذائية ليجوع من يجوع من أطفال ونساء ومسنين فلا رأفة في قلب العدو ولا قوانين دولية تلجم سلوكياتيه الإجرامية.
بأواخر سنة ٢٠١٠ تم شبه تحقيق للحلم ودعوتي من قبل اتحاد الناشرين العرب للسفر إلى غزة للمساهمة مع الناشطين العرب والأجانب المؤمنين بحق الدولة الفلسطينية وانتهاكات ما يسمى (إسرائيل) برسائل وجدانية وعملية لفك الحصار عن غزة المنكوبة على أعين الوسائل الإعلامية العالمية وكبرى المنابر الدولية، الدعوة الورقية استلمتها كمن يتلقى مكافأة نهاية الحلم فما من حلم أبلغ من أن أسافر إلى فلسطين، فلسطين التي لم تتجزأ يوماً من خريطة وجداننا السوري والتي شكلت ومازالت خاصرة الجغرافية السورية وقلب الوطن العربي، و”شنطة” السفر حاضرة بفراغ محتوياتها أملا بملئها بزفير شعب عربي مكلوم وشيء من تراب مغروس فيه البرتقال والزيتون، فكرة تحقيق الحلم أذهلتني، أسكرت حواسي وجعلت من ذاكرتي قيد تعليق فأنا أناجي فكرة الوصول لأرض بكر قتلت فيها وجود المستوطن والاحتلال وفتحت أذرعي لملاقاة اليوم الموعود وأنا المتسلحة بكتاب يكسر الحصار المشؤوم..
لغزة كان السبيل والوجهة التي أطمح بتحقيق الحلم وتخطي كل الأماني مقابل الحضور وجهاً لأرض محتلة أعشق ترابها العربي.. حلم ويا أسفاه تلاشى ولم يبقَ منه سوى ورقة ممهورة بختم المشاركة وحقيبة سفر خالية من كل الأغراض الشخصية وممتلئة بأسى اللاعبور لمعبر رفح بعد أن صار في مصر الشقيقة تلوث ربيع مأزوم “شوّه” جغرافيتها وهدم حلمي ونكب خاطري وعلّق خطة سفري وثراء حقيبتي بزفير شعب مكلوم وتراب ممزوج بورد البرتقال والزيتون.