يخيّم جدل واسع على المشهد التركي حول مشروع قناة اسطنبول الذي يعد مشروع رئيس النظام التركي رجب أردوغان اللاهث وراء تقويض اتفاقية “مونترو” البحرية السارية منذ 85 عاماً, والتي تضمن حرية عبور السفن المدنية مضيقي البوسفور والدردنيل في السلم والحرب, كما تنظّم عبور السفن التابعة لدول غير مطلة على البحر الأسود.
الجدل المتزايد داخل الأوساط التركية مدفوع بمخاوف من تكلفة المشروع الباهظة مع غياب أي توضيح حكومي حول مصدر تمويله, في الوقت الذي تئن فيه تركيا تحت وطأة أزمة اقتصادية كما يثير مخاوف من مخاطره البيئية وتداعياته على المناطق الأثرية.
حسب خطط أردوغان, من المقرر أن تمتد القناة بموازاة مضيق البوسفور وتربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، متجاوزة المضيق ووضعه الخاص, وعليه يواجه مشروع أردوغان معارضة شديدة, كان أبرزها قيام عدد من كبار قادة البحرية التركية المتقاعدين بإصدار بيان للتحذير من المساس باتفاقية “مونترو” الدولية، معتبرين أن مناقشة ومراجعة وضع المضائق الذي حققته الجمهورية التركية في عهد مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك أمر غير مقبول.
بيان الجنرالات أثار هلع أردوغان الذي سارع إلى وصف الجنرالات بـالانقلابيين والإرهابيين, والإشارة إلى وجود صلة بينهم وبين سياسيين أتراك في أحزاب المعارضة, وذلك بالتزامن مع إطلاق حملة اعتقالات تعسفية استهدفت عشرة أميرالات وقعوا على البيان الذي يمثل تحدياً لسلطة أردوغان, حيث وجهت لهم تهم “الاتفاق على ارتكاب جريمة ضد أمن الدولة والنظام الدستوري”.
مزاعم أردوغان حول وجود شبح انقلاب ردّدها أزلامه في النظام, وكان آخر المروجين لـ”فوبيا الانقلاب” وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي قال: “إن بيان الضباط المتقاعدين أسلوب يستحضر انقلاباً كما كان في السابق”, وإن “الذين يقفون وراء البيان لا يعنون منه اتفاقية مونترو، وإنما يستهدفون أردوغان وحكومته وتحالف الشعب” (يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية).
ورداً على التصعيد الأردوغاني غير المقبول, اتسعت حملة التأييد للجنرالات حيث أعلن أكثر من مئة عضو سابق في حزب “الشعب الجمهوري” تأييدهم للجنرالات, معتبرين الاتفاقية إنجازاً دبلوماسياً تاريخياً منح تركيا السيادة على المضائق البحرية, فيما اتهمت أحزاب المعارضة الحزب الحاكم في تركيا بمحاولة اصطناع خطر استناداً إلى حدث ليست له قيمة من خلال توصيف البيان على أنه “انقلاب”, مؤكدين أن تصريحات أردوغان هدفها توظيف تهمة الانقلاب في الساحة السياسية, وهو الذي لا يتوانى عن شن هجماته على الجميع، ويسعى لشغل الرأي العام بأجندات مصطنعة بهدف التغطية على فشله وعجزه عن مواجهة الأزمات الكبيرة التي تشهدها تركيا.
حالة الهلع والهستيريا التي أصابت أركان النظام التركي ودفعتهم للتناوب على كيل التصريحات المنددة ببيان الجنرالات المتقاعدين ووصفه بالانقلاب, تفضح هشاشة أركان نظام أردوغان الذي لا يقبل الرأي الآخر والمسكون بـ”فوبيا” الانقلاب لإدراكه بأنه منبوذ من الأوساط التركية.
واقع الحال يثبت مجدداً عدم استعداد نظام أردوغان ليتقبل الرأي الآخر.