التفوق الصيني وإطار العمل الإستراتيجي الأميركي

تفوقت الصين عام ٢٠١٠ على أميركا كأكبر مستهلك للطاقة، وفي عام ٢٠١٧ كأكبر مستورد للنفط، وبدا واضحاً أن استيراد المواد الخام له تأثيرات سياسية وإستراتيجية على الساحة الدولية، الأمر الذي وضع الدول والأقاليم المنتجة للنفط في خضم تجاذبات حادة.

وتمثل هذا التفوق بالشراكة التجارية لأوروبا على مدار العام الماضي، والتي غضت وسائل الإعلام الغربية الطرف عنها.

فازدادت مؤخراً إرهاصات الحديث عن تشكل نظام عالمي جديد بقيادة الصين أو بمشاركتها بشكل فاعل، مقابل تراجع هيمنة أميركا، لاسيما بعد ظهور ما بدا ضعفاً لدى الأخيرة أمام جائحة فيروس كورونا.

ففي عام ٢٠٢٠ زادت صادرات سلع الاتحاد الأوروبي إلى الصين بنسبة ٢٠٠% بينما انخفضت تجارة الاتحاد الأوروبي مع بقية العالم بشكل كبير. وانخفضت ٩.٤% من حيث الصادرات و١١% من حيث الواردات مقارنة بعام ٢٠١٩.

ويظهر «حل» أميركا بالرد على النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين من خلال إستراتيجية متعددة الأوجه للتطويق والاحتواء والتي تنطوي على حرب تجارية مستمرة، وعقوبات ودعاية ومحاولة تخريب سياسي داخل الصين، وفي أماكن معروفة كالتيبت وتايوان وهونغ كونغ.

والحال نفسه، على طول أطراف الصين، لاسيما في جنوب شرق آسيا، حيث تدعم الولايات المتحدة الاحتجاجات الساعية للإطاحة بالحكومات الصديقة لبكين، واستبدالها بأنظمة عميلة ذات ميول غربية، كما هو الحال في ميانمار اليوم.

واستغلت الولايات المتحدة بشكل كبير بناء قدراتها العسكرية ضد الصين، مع وجود قوات أمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية، إضافة للوجود العسكري الأميركي المتكرر في الجنوب كمضيق تايوان وبحر الصين.

إلى ذلك، تعترف أوراق السياسة الأميركية برغبة واشنطن الحفاظ على الأسبقية الأميركية، وتوسيعها في المحيطين الهندي والهادئ؛ وبدأ إطار العمل الإستراتيجي الأميركي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ يرى النور بعد رفع السرية عن أرشيفيات ترامب بالبيت الأبيض، وإدراج التحدي الإستراتيجي بكيفية الحفاظ على تفوق أميركا الإستراتيجي، وتعزيز تشكل نظام اقتصادي ليبرالي بمنع الصين من إقامة مجالات نفوذ غير ليبرالية جديدة.

سعي واشنطن لعزل الصين «كحل» لا يمثل في الواقع مشكلة حقيقية، وسياسة لا تعمل بمسار واضح ومفهوم، فلم تكن محاولات الضغط على الحلفاء والخصوم على حد سواء -لعزل الشركات الصينية عن الأسواق العالمية- فعالة، ولاسيما أن الاتحاد الأوروبي نفسه يرتبط مع الصين بعقود تجارية واسعة أكثر مما هي عليه مع الولايات المتحدة.

وشهدت محاولات منع الشركات الصينية مثل «هواوي» وشركة «كوماك» حول العالم من بيع منتجاتها والارتباط مع بقية العالم تأثيراً محدوداً، لكن ذلك لم يمنعها من المضي قدماً بالكثير من المسارات، لاسيما وأنها تُنشئ نماذج عمل وسلاسل لوجستية أكثر مرونة، بما في ذلك التركيز على الاكتفاء الذاتي والتكامل الرأسي ما يجعل هذه الشركات ليس فقط منيعة على المدى الطويل ضد الحرب الاقتصادية الأميركية، بل تتجاوز نظرائها الغربيين، فالأسواق المحلية في الصين حسب الرئيس الصيني شي جين بينغ (بحر وليس بركة.. والعواصف يمكن أن تقلب البركة، لكنها لا تستطيع أن تحدث بحراً أبداً).

انتصار الصين وحلفائها -ومسارات اقتصادات كل الدول الخاضعة للحروب الأميركية- حتمياً، والتي ستنال الجزء الأكبر من الاستثمارات والصفقات التكنولوجية العالمية. إذ إن معيار تعادل القوة الشرائية أكثر دقة عند المقارنة بين الاقتصادات، فهو يقضي على الاختلافات في مستويات الأسعار، ويعزز الاقتصادات من حيث المقدار لكل دولة بغض النظر عن حجم التبادلات المالية والربحية.

عن «نيو إيسترن آوت لوك»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار