الحياة البرلمانية السورية: من سيطرة الأسر الأرستقراطية وشيوخ القبائل إلى التمثيل الحقيقي للعمال والفلاحين وأول دخول للمرأة إلى المجلس
عند الاطلاع على تاريخ مجلس الشعب يـُعتقـَد للوهلة الأولى أن الحياة البرلمانية في سورية قبل ثورة الثامن من آذار 1963 هي الحياة البرلمانية الحقيقية وانعكاس للحالة الديمقراطية التي كانت تعيشها البلاد آنذاك, لكن بشيء من التدقيق سرعان ما نكتشف العكس, وذلك لأن البرلمان السوري في تلك الفترة كانت تسيطر عليه العائلات والأسر الأرستقراطية وشيوخ القبائل والعشائر، ولم يكن فيه أي تمثيل حقيقي لجماهير الشعب العريضة.
وهذا الكلام ليس كلاماً مرسلاً أو مجرد إنشاء, الهدف منه ذم تلك الحقبة من تاريخ سورية لمجرد الذم وتبييض صفحة المرحلة التي تلت الثورة لمجرد التبييض, وإنما هو حقائق تؤكدها المراجع والوثائق التي عدنا إليها عند إعداد هذه المادة الصحفية.
فخلال ما سمي عهد الجمهورية الأولى، وُصِفَ البرلمان بالبطء الشديد, ولأن المستقلين كانوا الكتلة الكبيرة أدى ذلك إلى ضعف الأداء داخل المجلس، ما دفع محمد كرد علي للكتابة عن ذلك بعد انتخابات 1947 بقوله: (خلافًا لمعظم دول العالم، حيث الغالبية النيابية معروفة، والأقلية النيابية معروفة، في بلدنا من المستحيل معرفة الأغلبية أو الأقلية حول موضوع معين، قبل أن يجتمع النواب، ومن الممكن أن يكون تصويتهم خلافًا لموقف الحزب أو الكتلة التي ينتمون إليها، كل حسب مصالحه, وذلك لأن الغالبية العظمى من النواب آنذاك هم من عائلات متنفذة اقتصادياً أو إقطاعية، هذا ما سماه البعض (الأقلية الأوليغارشية) من زهاء خمسين عائلة تشكل غالب الطبقة الحاكمة السورية).
كما أن حسني الزعيم قائد أول انقلاب عسكري في سورية وصف المجلس بأنه: (مجلس عشائري، لا انسجام فيه ولا تفاهم).
وأدخلت الانقلابات العسكرية التي تلت انقلاب حسني الزعيم البلاد في حالة من عدم الاستقرار، الأمر الذي انعكس على الحياة البرلمانية وسميت تلك الفترة بفترة (حل البرلمان) كما في عامي 1949 و1954
وبعد قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي تم حل البرلمان لأنه لم يكن يمثل الشعب، بدليل أن غالبية المقاعد إن لم يكن كلها كانت من الأغنياء والرأسماليين والإقطاعيين وشيوخ القبائل, وهؤلاء إما من متزعمي الأحزاب السياسية أو من المستقلين الأرستقراطيين. وتمت إعادة الحياة البرلمانية إلى وضعها الطبيعي بعد أن تم تصحيح مسارها بالاتجاه الصحيح, لكن هذه الحياة لم تتفعل وتصل إلى المستوى الذي يلبي طموحات الجماهير إلا بعد قيام الحركة التصحيحية عام 1970 بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد.
ومن أبرز ما تميزت به هذه المرحلة الهامة من تاريخ سورية تخصيص نصف المقاعد للعمال والفلاحين ليصبح هذا المجلس فعلاً مجلس الشعب و معبراً تعبيراً حقيقياً عن أوسع شريحة من الجماهير, إضافة إلى دخول المرأة إليه ومن ثم زيادة تمثيلها فيه إلى أن وصل إلى نحو 30٪ من الأعضاء. وهذه محطة بارزة في الحياة البرلمانية السورية، منذ عهد ما قبل الاستقلال إلى يومنا هذا، حيث مـُنحـِت المرأة السورية حق الانتخاب في عهد حسني الزعيم عام 1949 شرط أن تكون متزوجة ومتعلمة، غير أنها لم تـُمنـَح حينها حق الترشح، وكان أول دخول للمرأة إلى قبة المجلس بعد انتخابات 1973 ممثلاً بخمس نساء من أصل 186 عضواً. ومن الميزات الأخرى أن كل عضو في المجلس يعد ممثلاً للشعب بأكمله، ولا يجوز تحديد ولايته بقيد أو شرط كما ينص الدستور.
وشهد المجلس نشاطاً تشريعياً غير مسبوق في ظل مسيرة التطوير والتحديث بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد تجلى في ممارسة المجلس لصلاحياته كاملة بموجب الدستور, ووصل الأمر إلى حد ممارسة حق حجب الثقة سواء عن بعض أعضاء المجلس كما حدث في عام 2009 عندما تم رفع الحصانة عن أحد الأعضاء، أو عن الوزراء, وجرت الانتخابات لمجلس الشعب في كل الأدوار السابقة في ظل إصلاحات سياسية هامة وكبيرة من أبرز معالمها التعددية الحزبية الواسعة.
واليوم السوريون على موعد في التاسع عشر من تموز الحالي مع انتخابات مجلس الشعب الجديد، ليختاروا ممثليهم إلى عضوية هذا المجلس الذي سيكون محطة بارزة في حياتهم، لكون سورية تعيش مرحلة هي في أمس الحاجة لكل المخلصين الصادقين من أبناء الوطن ليساهموا في مواجهة هذه الأزمة ومعالجة آثارها وتداعياتها، ومكافحة الإرهاب والتصدي لأعتى مؤامرة تتعرض لها البلاد.
aqtini58@gmail.com