أكثر ما يغيظني أن هناك من ما زال يتفاجأ بكلّ شيءٍ ولم يفقد بعد عنصر الدهشة الساذجة في أي موضوع أو حدث أو أمر يحصل معنا. وعلى الرغم من أن المواطن لم يعد يستغرب شيئاً، إلا أن القائمين على إدارة شؤونه المعيشية والخدمية والعلمية… فإنهم في وادٍ آخر، يشبه “وادي عبقر” لكن من دون وحي يلهمهم في تحسين أدائهم .
إذ إن أولئك ما زالوا يتفاجؤون بوجود الأرياف المهملة بمحاذاة مراكز المدن، ويتفاجؤون بمستوى التعليم المتدني وتراجع ترتيب الجامعات وتردّي واقع البحث العلمي. وأيضاً يندهشون من تفشّي الفساد، وانتعاش المحسوبيات، واستشراء البيروقراطية، والانتشار الواقع لأمراض المكاتب، ولجان المشتريات، ولجان فض العروض، والتفاقم المتعاظم للرشوة، وتعطُّل سير العمليات الإنتاجية.
كما يتفاجؤون من انهيار الثقافة والأخلاق والعلوم، وانحدار الذوق العام، وتدهور الواقع المعيشي، وعرقلة النهوض الاقتصادي، وعدم إمكانية الإصلاح، وأيضاً يندهشون من تضعضع الاقتصاد، وتصدُّع المجتمع، وتخلخل القيم.
ويتفاجؤون من اشتعال الأسعار، وغليان النُّفوس، وغضب الأراضي المحروقة، كما يستغربون أمطار السماء، وعطش الصحراء، وضربة الشمس، ورياح الخريف وزهر الربيع.
ويندهشون من بكاء الطفل، ووجع العجوز، وحرقة قلب الأرملة، ولهفة الشباب الضائع من دون فسحة أمل.
يتفاجؤون ويستغربون ويندهشون أيضاً من هديل اليمام، وعذاب الفِطام وأنين العظام، وغير ذلك الكثير الكثير، لكنهم رغم كل ذلك لم يفكروا للحظة بالتوقُّف عن تفاجئهم واستغرابهم واندهاشهم وأن يفعلوا شيئاً.