ثغرات بنية التعليم العام روّجت للاستثمار الخاص في التعليم.. اختصاصيون يشخصون الواقع بالتفصيل
تشرين- دينا عبد:
أدى تراجع أداء بعض المدرسين إلى بروز أزمة ثقة بين المدرسين وبين أولياء الأمور، وذلك من جراء عدة مخاطر دخلت إلى مدارسنا كالعنف والتسرب المدرسي وتراجع هيبة المدرس؛ وهذا بدوره حوّل المنازل إلى مكان آخر للدروس الخصوصية من أجل تدارك ثغرات التحصيل العلمي للأبناء.
حالات
تقول رهام ( أم لولدين)؛ إن الكثير من أولياء الأمور يجدون أنفسهم مضطرين للاعتماد على المدرس الخصوصي وذلك بغية تدارك ثغرات التحصيل العلمي لأبنائهم.
واعتبرت شادية (موظفة) أن ضعف التحصيل العلمي للتلاميذ داخل المدرسة ناجم عن عدة أسباب منها فشل بعض الأساتذة في شرح الدروس بطريقة جيدة نتيجة عدم اتباعهم الدورات التي كانت تقيمها وزارة التربية في فصل الصيف وتالياً ضعف شخصيتهم، ما يؤدي لعدم قدرتهم على ضبط الصف وهذا ما يجعل الفوضى وتشويش الطلاب حالة لا تنتهي.
وعلقت (ضحى) معلمة قائلة: لا يمكن إلقاء اللوم على المدرسين؛ فمن واجب الأهل مساعدة المدرسين من خلال متابعة أبنائهم بعد عودتهم من المدرسة ومراجعة المناهج؛ فكلنا نعلم أن شرح المعلم لوحده لا يكفي؛ المطلوب من الأهل المراجعة والتكرار والشرح الإضافي لكي يحصلوا على طالب متمكن من المعلومة.
اختصاصية: تكامل دور الأهل والمدرسة لإعادة الألق للتعليم في المدارس العامة
فيما يلاحظ (علي) وهو مدرس لغة إنكليزية أن معظم الطلاب يقضون ساعات طويلة عند المدرس الخصوصي؛ وحتى أن بعض المدرسين يعيدون شرح الدرس مرة أخرى نتيجة عدم فهم الطالب للدرس وهذا إن دلّ على شيء فهو دليل عدم نجاح المعلم في إيصال المعلومة.
لأهل الاختصاص رأي
مي برقاوي، دبلوم تأهيل تربوي ودراسات عليا في الإرشاد الاجتماعي التخصصي، بينت خلال حديثها لـ(تشرين) أنه بالرغم من أن المدارس الحكومية وعلى مدى تاريخها؛ من حيث إنشائها؛ تمويلها؛ من الحكومة وفي كل المراحل؛ وبالرغم من كل ميزاتها التربوية والعلمية كتوزيع الطلاب حسب الموقع الجغرافي لسكنهم والمناهج الموحدة في جميع المحافظات وكذلك توظيف الكوادر التعليمية حسب مسابقات واختصاصاتهم العلمية وخضوعهم للتدريب والتطوير المستمر لتحقيق تعلم وتعليم وبيئة مدرسية ذات جودة، وهذا ينطبق أيضاً على التعليم المهني والفني في مرحلة التعليم الثانوي، إلا أن هناك تراجعاً حصل في السنوات الاخيرة ومن عمر الأزمة والحرب على سورية والحصار الخارجي وحرمانها من مقدراتها الاقتصادية وهذا ما انعكس بشكل كبير على البنية والمنظومة التعليمية والمجتمع بشكل عام.
انعكاسات على بنية التعليم
وحسب برقاوي فإن أهم الانعكاسات على البنية التعليمية ونظراً لأن الازمة خلقت مجتمعاً غير مستقر من خلال الهجرة الداخلية إلى المناطق الأكثر أمناً وتوفراً لفرص العمل خاصة إلى المدن الرئيسة؛ وكون التربية طبقت قانون التعليم الإلزامي لمرحلة التعليم الأساسي فقد تزايدت كثافة الطلاب في المدارس وبالتالي فإن تزايد كثافة الطلاب في الصفوف أضعف تمكينهم من المنهاج، وكذلك متابعتهم أثناء الحصة الدرسية بأشكال التقييم المعتمدة في المدرسة وكذلك فقر المناهج للأنشطة التي ترفد المنهاج والمخابر وعنصر التجريب، إضافة إلى الاعتماد في بعض المواد على التلقين و تقليص وقت الحصة الدرسية لوجود دوام ثانٍ في المدرسة نفسها.
إلى جانب تغيير وتبديل المعلمين بشكل مستمر وفي هذه الحالة بعضهم لا يستطيع الاستمرار بسبب الدخل المتدني جداً وبعد المدرسة عن بيته؛ فيستقيل ليتجه إما للدروس الخصوصية وإما للمدارس الخاصة، وهذا النقص في الكادر التدريسي أكبر المشاكل للمدارس العامة وينعكس مباشرة على التحصيل العلمي للطلاب.
ولفتت برقاوي الى أن ضعف مستوى وعي الأهل لمواجهة صعوبات أبنائهم في المدرسة والاهتمام بهم ومتابعتهم من خلال التواصل مع المدرسة، وعدم تفعيل المجالس المدرسية المُشكلة من أهالي الطلاب وأعضاء وخبرات من المجتمع المحلي بالتعاون مع إدارة المدرسة لمناقشة ومتابعة مشكلات الطلاب التحصيلية والسلوكية والصحية والنفسية والتنسيق مع المؤسسات المعنية الموجودة في البيئة المحيطة بالطالب والمدرسة، كل هذه الصعوبات أمام معظم المدارس العامة الحكومية أدت الى اتساع نطاق المدارس الخاصة التي كان دورها في السابق سد ثغرة الطلاب الراسبين أو المنقطعين عن الدراسة لسبب أو لآخر، اتسع نطاقها نسبياً الآن لأبناء الطبقات الميسورة والميسورة جداً ممن يستطيعون الالتزام بدفع الأجور، فمعظم المدارس الخاصة وخاصةً النموذجية منها والتي تشمل كل المراحل مع رياض الأطفال طبعاً وبإشراف وزارة التربية تتمتع ببيئة تعليمية توافق متطلبات الطالب ورغباته ولما يخطط لمستقبله سواء داخل بلده أو في الخارج كرفد المنهاج بأنشطة وخبرات ووسائل وأدوات ومخابر وتكنولوجيا؛ ليس فقط لرفع مستوى التحصيل للطالب ولكن لتنمية مواهبه في الرياضة والفنون والمسرح واللغة الأجنبية.
ولكون أحجام الصفوف في المدارس الخاصة أصغر بكثير من المدارس العامة فإن الفائدة من ذلك تتحقق للجميع ولهم حرية الخيارات في انتقاء ما يرغبون، هذا كله لا يعني أن المدارس الخاصة لا تخلو من السلبيات.
سلبيات المدارس الخاصة
وحسب برقاوي فإن السلبيات في المدارس الخاصة تنشأ من الفروق الفردية والاجتماعية والثقافية في بيئة المدرسة سواء عند الطلاب أو الأهل أو الكادر التدريسي، وأكثر ما يجمع بينهم العامل المادي ؛ وتنشأ اتجاهات مختلفة للمدرسة الخاصة.
دور المعلم
أما دور المعلم فقد وصفته برقاوي بأنه تعليمي فقط يهمش من دوره التربوي لتفادي اصطدامه مع الطلاب لأنه شأن الإدارة وهذا ما يجبر بعض المعلمين والمعلمات على ترك المدرسة.
أما بالنسبة لبعض أهالي الطلاب ورغبتهم في عدم تحمل المسؤولية تجاه أبنائهم ومتابعتهم لأن هذه المسؤولية ملقاة بشكل كامل على المدرسة باعتبارها مدرسة خاصة حتى في حل مشكلات أبنائهم .
مضيفة: لاشك مهما كانت السلبيات في المدارس العامة الحكومية وهي رهن بالظروف القاسية التي يعيشها الوطن ؛ فإن هناك نجاحات وتفوقاً وتميزاً عند الطلاب في كل المراحل وعلى مساحة الجمهورية، ومدارس المتفوقين شاهدة على ذلك، وأسماء ترفدها سورية للمشاركة في المسابقات العلمية والأدبية والفنية أضاءت هذا التميز في العالم.
وبتكامل دور الأهل والمدرسة والمجتمع المحلي وإشاعة الوعي والتثقيف لهم وهذا ما أسس له في السابق ومنذ زمن طويل بالنسبة للتربية والتعليم سيواجه ويتحدى الصعوبات وما يحتاجه الآن الاستقرار والأمن والسلام.