بدائل زراعية «تغزو» مزارع طرطوس.. الزعفران يحجز مكانه بعد «الإستوائيات»
تشرين – نورما الشيباني:
دخل الزعفران ضيفاً على جبال طرطوس منذ عدة سنوات، مستطلعاً طبيعتها باحثاً عن أسباب تدفعه للاستقرار بها، ولم يتأخر حتى أعلن أنه سيستوطن مجاوراً نباتاتها من زعتر وشيح و غيرها، بعد أن عشق ترحاب بيئتها و ترابها، مقدماً لأبنائها ذهبه الأحمر الثمين.
حل استراتيجي
تعد زراعة الزعفران الحل الاستراتيجي الزراعي للبيئة الجبلية الساحلية، حيث تعتبر هذه الجبال مناسبة جداً لزراعتها برأي خبراء زراعيين، من حيث الارتفاع وكمية الأمطار الهاطلة، وبالإمكان زراعته بعلاً ولا حاجة لسقيه طوال دورة حياته التي تبدأ وتنتهي خلال الأشهر الماطرة، إضافة إلى الجودة الممتازة للمادة العطرية للزهرة المزروعة في هذه الجبال. وقد نجحت تجربة زراعته بداية من إكثار البصيلات وبيعها لتغطية النقص الكبير بها.
تجارب ناجحة
رئيس جمعية الزعفران في قرية بتلة فائز، وعضو الجمعية السورية لطب الأعشاب والطب التكميلي بمنطقة الشيخ بدر فائز حسن، بين أن زراعة الزعفران تبدأ في الشهر الثامن والتاسع من العام، وذلك بتجهيز الأرض من تعشيب وحراثة وتسميد سماد عضوي، وفي الشهر العاشر نقوم بحراثة الأرض وتخطيطها بشكل خطوط طولية بعرض ٥٠٠ سم، مع إزالة الحصى ثم نقوم بزراعة الأبصال بمسافات متساوية ٢٠ سم بين البصلة والأخرى، بعد أسبوع تبدأ الأبصال بالنمو، أحياناً تظهر الأزهار قبل الأوراق. وأحياناً بعدها ثم نقوم بجمع الأزهار صباحاً، وفي المنزل يتم فرز المياسم والأسدية الصفراء والبتلات الزرقاء كل على حده ووضعها في أوعية في الظل، ولا تستخدم قبل شهرين، توضع المياسم في علبة مخصصة لها مغلقة لمنع تطاير الزيوت مع ترك فتحة من أجل التهوية.
فتح باب التصدير
و لفت حسن إلى أنه يتم حالياً تسويق الأسدية الصفراء كنوع من التوابل ، وذلك لأهميتها في تقوية جهاز المناعة، و سيتم العمل على تقطير البتلات الزرقاء. وفيما يخص التسويق فهو يتم حالياً بشكل خاص، مع وجود صعوبة به، إضافة إلى تدني سعره لعدم وجود أسواق، من هنا يطالب المزارعون الاتحاد العام للفلاحين بالسعي لتسويق الإنتاج الذي سيشكل دعماً للاقتصاد المحلي والوطني .
رحلة البحث عن الكورمات
المهندسة الزراعية رزان شعبان والحاصلة على دكتوراه في الزعفران، بدأت رحلتها مع الزعفران عام ٢٠١٨ عندما كانت تبحث عن نبات ليكون موضوعاً لدرجة الدكتوراه في الهندسة الزراعية، وأن يكون ذا أهمية وفي مجال غير مطروق سابقاً ويعود بالفائدة العملية للفلاح.
بدأت البحث عن مصدر للكورمات، وحصلت على ٢٠٠ كورمة من حمص ولبنان، تمت زراعتها في خريف ٢٠١٨ في قرية بيت كمونة التي ترتفع ٤٠ م عن سطح البحر.
بدأ النبات بعد شهر ونصف الشهر يزهر وحصلت على نسبة ٦٠٪ أزهاراً ، وهي نسبة جيدة جداً.
نتائج مثالية
وتضيف: في صيف ٢٠١٩ وصل عدد الكورمات إلى ٧٥٠ كورمة متفاوتة الأحجام، تعتبر نتيجة مثالية. لم يتوقف الموضوع عند هذا الحد، بل حملت نتائج عملي إلى وزارة الزراعة لعرضها على اللجنة الوزارية المخصصة لإكثار وزراعة نبات الزعفران في سورية، و هناك كان الترحيب العلمي بما توصلت إليه، وتقرر بناء على ماعرضت إدخال محافظة طرطوس في اللجنة الوزارية.
نشر زراعة الزعفران
وبينت شعبان أنها عملت على نشر ثقافة الزعفران في المجتمع المحلي من خلال اللقاءات التلفزيونية والإذاعية وصفحتها الخاصة على الفيسبوك، وتقديم المعلومات التي يحتاجها الفلاح وعرض لكل تفاصيل هذه الزراعة.
كورمات بأسعار مناسبة
شعبان لفتت إلى أنها شاركت مع مبادرة (سورية الخبز والملح) في تقديم كورمات بسعر مخفض لذوي الشهداء والجرحى والعسكريين، لتكون ركيزة لمشروع يعود عليهم بالربح، في السنوات اللاحقة.
في عام ٢٠٢٠ شاركت في إلقاء محاضرة في المنظمة العربية لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) شرحت من خلالها عن زراعة الزعفران في سورية عامة وطرطوس خاصة.
قرية تلة أنموذجاً
ونوهت شعبان بأنه في العام ٢٠٢١ تم اختيارها ضمن اللجنة المشرفة على مشروع زراعة الزعفران في قرية تلة (الشيخ بدر _ طرطوس) وهو مشروع ثلاثي بين الأمانة السورية للتنمية وأكساد واتحاد الفلاحين، وتم توزيع ٣٠٠ كورمة لكل عضو في الجمعية والبالغ عددهم ٤٥ عضواً ، وكانت النتائج ممتازة.
وبهذا تعتبر تجربة زراعة الزعفران في قرية تلة من التجارب الناجحة، والذي عزز هذا النجاح هو الارتفاع عن سطح البحر والبالغ ٨٠٠ م والذي يؤمن البرودة اللازمة ويحفز الأزهار.
دخلت كل بيت
بعد خمس سنوات من انطلاقة زراعة الزعفران في سورية، دخلت هذه الزراعة -حسب شعبان- العديد من الحقول السورية، وباتت أهميته الطبية معروفة لديهم ، وما لها من أثر إيجابي على الدخل الوطني، و حرصهم على اقتناء هذه الكورمات، وإغناء أراضيهم بها ولو بحيازة صغيرة.
دعم وتشجيع
من جانبه، أكد المهندس محمد ديب نائب رئيس اتحاد الفلاحين في طرطوس أن زراعة الزعفران في المحافظة حديثة، تم إحداث جمعية تعاونية لزراعة وإنتاج الزعفران في قرية تلة التابعة للشيخ بدر عام ٢٠٢١ بعدد أعضاء ٤٦ عضواً وبكمية بصيلات ٣٠٠ لكل عضو، ويعتبر عام ٢٠٢٤ هو العام الثالث وكان إنتاج البصيلات جيداً جداً، حيث بلغ الحد الأدنى ٦٠٠٠ بصيلة إلى ١٠٠٠٠ بصيلة والفارق في الإنتاج يعتمد على العناية بالأرض والتعشيب والتسميد العضوي.
ومتوقع إنتاج الجمعية من المياسم هذا الموسم مايفوق الـ ١٠٠ غرام ، وسوف يتضاعف الإنتاج في العام القادم.
قفزة نوعية
ونوه ديب بأن هذه الزراعة ستشهد في قادم الأيام قفزة نوعية في سورية، كونها محط اهتمام الدولة وبالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية، حيث تتم متابعة نجاح هذا المشروع الواعد في سورية.
وحالياً يوجد في طرطوس زراعة للزعفران في مناطق مختلفة بشكل إفرادي ، سيتم الاهتمام بهم و مساعدتهم وصولاً لنجاح زراعتهم.