بين الإسناد والدفاع.. غزة عنوان لا يفارق وقف إطلاق النار في لبنان.. فهل يشهد القطاع اتفاقاً مماثلاً؟
تشرين- هبا علي أحمد:
بين دخولها في الإسناد وانتقالها إلى الحرب والدفاع، بقيت جبهة لبنان تحمل غزة عنواناً عريضاً يُرافقها حتى وقت الإعلان عن وقف إطلاق النار ودخوله حيز التنفيذ فجر أمس.
صحيح أنه بدا لوهلة وللبعض أنّ الكيان «نجح» في فصل وحدة الساحات، وصحيح أيضاً أنّ وقف إطلاق النار في لبنان تمّ منفرداً بمعزل عن مثيله في غزة، لكن من الأجدى والأصح النظر إلى الأمر من زاوية مُغايرة، من زاوية تغيّر مجريات المعركة في لبنان، وانتقالها من الإسناد إلى الدفاع هذا من جهة.. ومن أخرى فإن فصل الساحات لم يتحقق كما يحلو للبعض الترويج، فما إن تمّ الحديث عن قرب الاتفاق على وقف إطلاق النار في لبنان، كان يسبقه ويوازيه تماماً حديث عن اتفاق مماثل في غزة، وبالتالي يكون المشهد أن ما جرى في لبنان يُمهّد لما سيأتي لاحقاً في غزة وما هي إلّا أيام حتى تتضح الصورة أكثر.
وبصرف النظر عن التداعيات والمآلات وماذا يُحضّر الكيان لما بعد غزة بعد أن يتم الاتفاق ولاسيما أنّ العين اليوم على الضفة الغربية المحتلة، وبشكل أوسع على ساحات عربية –إقليمية- دولية، وما يرتبط بالإدارة الأمريكية المقبلة، ويأتي تحرك الإرهابيين أمس واليوم على جبهات ريفي حلب وإدلب في السياق.
ما جرى في لبنان يؤسس لمرحلة جديدة وجولات مقبلة في الصراع مع العدو
وبصرف النظر أيضاً عن ترقب الـ60 يوماً المنصوص عليه في الاتفاق المتأرجح بين كونه دائماً أو هدنة، ويمكن أن يخرقه الكيان في أي وقت «خرقه اليوم» فإن ما جرى حتماً يؤسس لمرحلة جديدة في المعركة الطويلة وفي الصراع مع العدو الغاصب، ويؤسس لجولات مقبلة، ولاسيما إذا ما انتهت الجولة إلى غير ما يشتهيه الكيان.
صحيح أنّ خسارتنا في محور المقاومة كبيرة باستشهاد سماحة السيّد حسن نصر الله وبخسارة الكثير من القادة، ولا يمكن الإنكار أنّ التكلفة عالية.. وصحيح أنه يتم الحديث عن بنود في الاتفاق شائكة، لكن قد يكون في الأمر نوع من الحرب النفسية لترميم صورة العدو المنكسر.
وعلى أي حال ومهما كان وما سيكون، فلا يمكن النظر إلى ما جرى أمس في لبنان إلّا في سياق جولة من جولات النصر للمقاومة اللبنانية/ حزب الله، وجولة من جولات الهزيمة للكيان.. فمجرد توقيع الكيان مُرغماً على الاتفاق هو هزيمة، ومجرد عودة أهالي الجنوب إلى مدنهم وقراهم بركامها وبغصّة قلوبهم على ما فقدوا هو نصر، فيما لم يُعرف بعد متى يعود المستوطنون.. إن عادوا، ولاسيما أنّ الكثيرين منهم يرفضون العودة، كما أنّ الطلقة الأخيرة كانت بتوقيع المقاومة، وبتوقيع الدم المُنتصر.
لا يمكن إفراغ لبنان من حزب الله ولا يمكن الوصول إلى كلّ نفق
إذاً معالم نصر المقاومة نقلتها الشاشات وحتى وسائل إعلام العدو وهي بدورها نقلت معالم هزيمة الكيان، فكيف لا يمكن النظر إلى ما جرى على أنه نصر، كما أن العدو لم ينسَ بعد هزيمة تموز 2006 لتأتيه هزيمة الـ 2024.
وفي حين يُسارع لبنان إلى لملمة الجراح مع تنفيذ ما اتفق عليه عبر انتشار الجيش في الجنوب ومواجهة التحدّيات المقبلة، وعلى رأسها إعادة الإعمار وانتخاب رئيس الجمهورية، حيث دعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من شهر كانون الثاني المقبل..
تبقى وسائل إعلام العدو على حالها، وكما عجت سابقاً بأخبار ما حققه حزب الله خلال الشهرين الماضيين والضربات التي تلقّاها الكيان بفعل صواريخ ومُسيّرات المقاومة، تعج اليوم بأخبار الاتفاق مع لبنان ومدى الهزيمة التي لحقت بالكيان مقابل تسجيل الحزب وعموم لبنان للانتصار، مشيرة إلى أنّ وقف إطلاق النار في لبنان شعور بالمرارة وتفويت الفرصة.. إنّه مهزلة فليس يبدو هكذا الانتصار.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: الاتفاق الموقّع مع لبنان هو السيّئ الضروري الأفضل الذي يُطاق قياساً للبدائل، معترفة بأنّه لا يمكن إفراغ لبنان من حزب الله ولا يمكن الوصول إلى كلّ نفق وكلّ مصنع أسلحة وكلّ مستودع، كما لا يمكن إخراج «حماس» من غزة.
وتابعت: وقف إطلاق النار مع لبنان هو الشرّ الضروري، والاتفاق الموقّع مع لبنان ليس مثالياً، ولا يوجد اتفاق مثالي في ظل هذه الظروف.
وأشارت إلى أنّ المطلوب الآن هو قول الحقيقة أنه لن يكون هناك انتصار مطلق والبدء في إعادة تأهيل المنازل بسرعة حتى يتمكّن من يريد العودة أن يعود. مع الأخذ بالحسبان أنه ليس الجميع سيعودون، وبالتأكيد ليس في الشهرين الأولين أو حتى في السنة الأولى.
ولفتت إلى أنّ المطلوب الآن هو الشروع في صفقة تبادل للأسرى مع غزة، ومن دون هذه الصفقة فإنه سيكون من المستحيل العودة إلى الحياة الطبيعية.
ولا بدّ من التوقف عند الجزئية التي أوردتها «يديعوت أحرنوت» أنه لا يمكن إفراغ لبنان من حزب الله ولا يمكن الوصول إلى كلّ نفق وكلّ مصنع أسلحة وكلّ مستودع، وهذا إقرار بأنه لا يمكن القضاء على الحزب وإخراجه من المعادلات السياسية والعسكرية في لبنان.
كما تحدث إعلام العدو عن قلق وخوف المستوطنين من العودة إلى مستوطنات الشمال الحدودية مع لبنان، وسط مشكلة ثقة كبيرة جداً بينهم وبين الجيش الإسرائيلي، وعدم استعادتهم شعور الأمان.
ورأت المستشارة الإستراتيجية، إييلت فريش، أنّ «إسرائيل» ارتكبت خطأً إستراتيجياً عبر الهستيريا التي سادت في الشمال، وإخلاء ما يقارب 100 ألف مستوطن.
تجديد المساعي لاستئناف المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق في غزة
وبالعودة إلى غزة والحديث الذي يتم حول جهود دبلوماسية للتوصل إلى اتفاق، تحدّثت مصادر عن أن وفداً أمنياً مصرياً من المقرر أن يتوجه اليوم إلى كيان الاحتلال لتجديد المساعي الرامية لاستئناف المفاوضات المتعثرة بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الرهائن والسجناء بين «حماس» و«إسرائيل» خاصة بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، حيز التنفيذ فجر أمس.
وأكدت المصادر أن المباحثات التي سيجريها الوفد في «إسرائيل» ستركز على مقترحات متعلقة بوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، والتوصل إلى صفقة تبادل هناك، وكذلك مقترحات تتصل بشأن «اليوم التالي» لوقف الحرب، مشيرة إلى أنّ تركيا ربما تلعب دوراً خلال المرحلة المقبلة في جهود الوساطة بين «إسرائيل» و«حماس» إلى جانب مصر وقطر والولايات المتحدة.
وقال المصادر: إنّ وفداً إسرائيلياً سيتوجه إلى القاهرة خلال الأيام القادمة، لبحث مستجدات إحياء مفاوضات وقف الحرب المستمرة في غزة منذ ما يزيد على العام، كما رجّحت أن تتوجه وفودٌ فلسطينية إلى القاهرة قريباً لبحث مستجدات مقترح «لجنة الإسناد المجتمعي» التي اقترحت مصر تشكيلها لإدارة القطاع بعد وقف الحرب في غزة.