متواطئاً.. تقتل أخاك.. وهو بطل!
تاريخياً، تعرض مفهوم البطل للاعتداء والتشويه بعدة طرق، وكان هاجس الأعداء ألّا يتحول لرمز يقضّ مضجعهم ويلهب حماسة الأجيال ويحثها على متابعة الطريق، لكن المخابرات الأميركية التي قتلت تشي غيفارا في التاسع من شهر تشرين الأول عام 1967، لم تنجح في ذلك، بل تفاجأت بصوره في كل شوارع العالم، بعد أن تحول لأيقونة وصارت رسمته الشهيرة تزين مسيرات مقاومي الاستعمار في كل مكان.
مات تشي، وكتب في مذكراته الكثير عن تفاصيل الخيانات التي تعرض لها، وكان في ذلك يختصر مسيرة الكثير من الأبطال الذين أردتهم طعنات الأخوة، بذريعة البراغماتية والتأقلم مع المشهد المتغير، لكن صور أولئك المتواطئين، لم تحضر في الشوارع كما حصل مع “تشي”، كانوا فضل قيمة زائدة على التاريخ والجغرافيا.
ترى كيف لدماء غيفارا أن تنتصر بعد كل هذه السنوات، وكيف يمكن لشبحه أن يتجلى بصورته السوداء المظللة وهو يقول “للسي آي إيه”: أنا مازلت هنا؟.
قراءة غيفارا المختلفة، تستدعيها حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد كل من يشاء تكرار فعلة “تشي” ، وبالطبع، سيحاول أولئك المستعمرون الجدد، تلافي خطأ المخابرات الأميركية، بحيث لا يحوّلون أبطال فلسطين ولبنان إلى غيفارات جديدة تلهب الخيال!. إنها خطة اغتيال الرمز والمفهوم، الذي سيتولى القيام بها الأخ الذي قيل عنه يوماً “مكره أخوك لا بطل”، لتصبح المقولة “متواطئاً.. تقتل أخاك.. وهو بطل”!.
ستتولى المهمة منابر الإعلام العربي، وستهرع الأبواق في إنتاج أصوات لم يسمع بها أحد من قبل، كي تثير الشكوك في النيات والأهداف والغايات. سيقولون إن البطل ضُبط متلبساً بالهزيمة، وإنه كان ينعم بالدولارات، ونحن لم نقتله إنما الأخ هو من قام بتحديد الإحداثيات، وقال اضغطوا على الزناد.
تشويه المفهوم، أخطر من اغتيال البطل، لهذا لم يشأ الأعداء الجدد تكرار خطأ مقتل “تشي” التاريخي وتحويله لرمز، بل يحاولون إطلاق النار على الأخلاقيات التي تدفع المرء للذهاب إلى الموت راضياً مرضياً لأن هذا واجبه المقدس في نصرة الحياة!.
انسياق الأخوة في مخطط اغتيال المفهوم الرمز، أخطر من استشهاد الأبطال، فالأمة ولودة ولادة، لم تبخل يوماً في دفق الأبطال تلو الأبطال، لكن اغتيال البطل بإشاعة أخطر من إطلاق الرصاص على صدغه، أو قصفه بمئات الأطنان من المتفجرات!. إنه تكالب الألداء، أسلوب الاغتيال الجديد، الأخوة المتوهمون أنهم ناجون بجلدهم من لعنة “تشي” الجديدة المتجددة التي ستلاحقهم ليس في شوارع المدن، بل في الخنادق والأنفاق وخلف فوهات البنادق!.
الإعلام المتواطىء، سيتكفل بتلطيف الصورة، وتقديم الشهادة على أنها تهور وخطأ في الحسابات، كأن فلسطين ليست مغتصبة، وكأننا ضيوف على الثقافة التلمودية التي لم تترك شراً إلّا وفعلته.. ألم يكتب “تشي” في مذكراته عن الخذلان الذي مُني به من الرفاق في بوليفيا؟ لكن صورة تشي بقيت تتجول في شوارع المدن، بينما من خذل غيفارا، طواه الزمن.. ومات!.