الطفولة المهدورة
كلما أمسكَ بجهاز التحكم اختارَ إحدى القنوات المخصصة للأطفال، بالرغم من أنه سنة ثانية طب بشري، سألته: لِمَ ينصبُّ اهتمامك على مثل هذه البرامج؟ فأجاب بمزاح يخالطه الكثير من الجد: أريد أن أعوّض ما فا تني في طفولتي.
كلام طالب الطب هذا يؤشر فعلاً إلى مشكلة حرمان أجيال من عيش طفولتها كما ينبغي، وذلك لمصادفة سنيّها مع فترة الحرب البغيضة على بلادنا، حيث لم يتسنَّ لها اللعب واللهو والتنزّه وتفريغ طاقاتها بأشياء مسليّة مرحة خلال أوقات الفراغ.
ومن تبعات الصدمات التي تعرضوا لها خلال طفولتهم أن صُبغت طباع بعضهم بالكآبة والقلق، وبعضهم الآخر بالقسوة والتعنّت وعدم الاستكانة لتوجيهات الأهل، وحتى التنمّر تجاه أقرانهم من خلال ممارسة سلوكيات عدوانية مؤذية بحقهم.
تداركُ فاقد الطفولة لدى الأبناء ممن لا يزالون في طورها أو تخطّونها بقليل، يلزمه تضافر جهود الأهل مع المدرسة لتعويض جزء مما فاتهم عبر أنشطة ترفيهية لاصفية، تمنحهم الحب والحنان وتفرّغ طاقاتهم بنشاطات تبعث على التفاؤل والأمل، سواء كانت رياضية أو فنية أو بيئية وغيرها، لأن الإبقاء على تلك الطاقات بأعلى مستويات شحنها بلا تفريغ، سيؤدي لانفجارها في النهاية بسلوكيات ضارة بالنفس وبالآخرين، وقد تؤدي في المستقبل إلى احتمالات حدوث اضطرابات بالشخصية تعوق تحقيق أي نجاحات في مختلف مناحي الحياة.
إن بعض الجمعيات الأهلية والمنظمات التطوعية حاولت أن تأخذ دوراً في هذا المنحى عبر تنفيذ بعض البرامج التي تستهدف الأطفال بفسحات ترفيهية وتربوية وتوعوية، لكنها للأسف متقطّعة ولم تشكّل سلسلة متكاملة حتى تؤتي ثمارها، كما أنها غير شاملة، إذ تستهدف أطفال مناطق من دون غيرها.
وهكذا نحن أمام ضرورة تكامل الأدوار بين الأهل والمدرسة والجمعيات والمنظمات ومختلف المنابر الثقافية، حتى نتفادى اتساع ما بتنا نشاهده إثر الحرب من أجيال طبعها التنمّر والعدوانية.