هل أثّر التسارع التكنولوجي في اتساع الفجوة بين الآباء والأبناء؟
تشرين – رجاء عبيد:
لعل قضية الفجوة بين الآباء والأبناء قضية غاية في الأهمية، فالأبناء هم الجيل الصاعد، وهم المستقبل المرتقب، والآباء هم صنّاع هذا الجيل، فإن وجود فجوة كبيرة بين الأبناء والآباء يجعل الآباء لايفهمون احتياجات أبنائهم فيصلون إلى طريق مسدود، فالأم لا تفهم ابنتها والأب أيضاً لايفهم ابنه، فلابد من اكتشاف المشكلات العامة التي يعاني منها الشباب ومعرفة أسبابها والعمل على إزالة هذه الأسباب أو التخفيف من حدتها.
دور سلبي
وليد – موظف – أشار إلى أنه وفي أحيان كثيرة تلعب الأم دوراً سلبياً بتكوين العلاقة بين الآباء وأبنائهم من خلال تشويه صورة الأب في ذهن أبنائه وذلك حرصاً منها على أن يكون الأبناء لها حصراً دون أن يقاسمها فيهم أحد حتى والدهم، معتبراً أن هذا حكماً سينعكس سلباً على تنشئة الأولاد وبالتالي فعندما يقع الأولاد بأي خطأ لن تجد الأم من هذا النوع منجداً لها حتى الأب لأن صورته مشوهة لدى أبنائه وبالتالي فلن يستمعوا لنصيحته ولن يثقوا بحرصه عليهم، لذلك تقع الأمهات من هذا النوع بدوامة وصراع مرير مع أبنائهن دون جدوى لأن الأبناء لا يهابون غالباً سوى آبائهم.
الظروف المختلفة
وبّين يوسف «موظف» أنه في المجتمع الحالي نلاحظ ظاهرة الاختلاف في وجهات النظر بين الآباء والأبناء نتيجة الظروف التي يمر بها كل من الجيلين المختلفين هذه الحالة تنشأ أو تتعمق حالياً بين الآباء والأبناء من خلال التربية الثقافية في الجيل الحديث حيث إن تأثير الأسرة أقل بكثير من التواصل الاجتماعي الذي يعيشه الأبناء، وهنا نلاحظ تقبل الآباء لأبنائهم يكون إلى حد كبير حيث إن المراهق يقع بين صراعين صراع توجهيات الأهل والتواصل الاجتماعي والمجتمع والمحيط ويشكل ثقافته على أساس الصراع القائم بالإضافة إلى إحساسه الداخلي بأنه شعوره بشخصيته المستقلة وشعوره الذاتي، لذلك نجد أن هناك مشكلة عامة إلى حد كبير بين الآباء والأبناء.
وأضاف يوسف: الآباء يصرون على تمرير الثقافة والتجربة التي عاشوها والخبرة، والأبناء يصرون حسب الطريقة المستقلة بتصوراتهم الذاتية فهنا تنشأ هذه الظاهرة لكن فيما بعد وللأسف الشديد في غالبية الأحيان وبعد فوات الأوان يكتشف المراهق بأنه كان على خطأ، وأن تجربة آبائهم تجربة حقيقية ومن واقع الحياة.
التسارع الإلكتروني
ويرى ماهر «مهندس» أنه لايمكن إنكار وجود فجوات حقيقية بين جيل الآباء والأبناء، وقد يكون من أهم وجود هذه الفجوات التسارع التكنولوجي وخاصة في مجال وسائل الاتصال والأنترنت حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تربية الأبناء من الجيل الحالي، مشيراً إلى أنه لم يعد للآباء دور كبير في التأثير على أبنائهم فهم في نظر أبنائهم أشخاص تقليديون عفا عليهم الزمن، حيث يصر الآباء على ضرورة التواصل الحقيقي لأبنائهم مع مكونات المجتمع بدءًا بالعائلة والأقارب والأصدقاء، أما الأبناء فهم يكتفون بالتواصل الإفتراضي الذي نتيجته وسائل التواصل الاجتماعي وهذا مايشكل أحد أهم الفجوات بين الآباء وأبنائهم.
د. غنام: أسباب الفجوة بين الأجيال هو اشتداد الاختلاف بين الآباء والأبناء في السن
اشتداد الاختلاف
وأوضح الباحث في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة دمشق الدكتور أحمد غنام لـ «تشرين» أن أسباب الفجوة بين الأجيال هو اشتداد الاختلاف بين الآباء والأبناء في السن التي يخطو فيها الشباب سريعاً من الطفولة إلى المراهقة، تبعاً لما يقوله علماء التربية، وتظهر فجوة الأجيال بشكل عام في الأسرة بين الآباء وأطفالهم بسبب الفارق الزمني للعمر، وأن كل جيل من الآباء عاش في حقبة زمنية لها ظروفها الاجتماعية، التي أدت إلى صقل شخصية هذا الجيل، وكلما تقدم الإنسان في السن زادت محافظته على ما أكتسبه، في حين تمتلك الأجيال الناشئة استعداداً لتقبل كل جديد.
ولفت غنام، إلى أن التغيير الإجتماعي والاقتصادي ينتج عنه تغير في أشكال النشاط المرتبط به، فهو يؤدي دوراً مهماً في اختلاف الأجيال، وكلما كان التغير سريعاً كان الجيل القديم بعيداً عن الواقع الجديد، فيرى الجيل الجديد أن الآباء غير مواكبين للواقع الاجتماعي والثقافي نتيجة تغير الثقافة، مشيراً إلى أن محاولة التخلص من سيطرة الوالدين أحد مصادر الاختلاف بين الأجيال، ويقوم بها المراهق محاولاً التخلص منها لبناء شخصيته المستقلة، وهذا الأمر يدفعه إلى اتخاذ مواقف رفض تجاه والديه لكي يحقق الاستقلال الذاتي عنهم.
وتأخذ التنشئة الأسرية بحسب غنام، في أغلب الأحيان الطابع العفوي، يتعامل الآباء مع الأبناء بشكل تلقائي من غير تفكير وفق الطريقة التي تربوا عليها، ولكن ننصح بالصداقة بين الجيلين على مبدأ «إذا كبر ابنك آخِهِ» واحترام الوالدين واجب على الأبناء وقبول الاختلاف وعدّه حالة طبيعية وواقعية ومستمرة وتطوير معارف الآباء عن حاجات الأبناء واهتماماتهم.
قدوة حسنة
بدورها بيّنت الاستشارية الأسرية سمر شرفاوي أن سرّ المسؤولية يكمن بمخافة الله في أعمالنا وتربيتنا لأولادنا بأن نكون القدوة الحسنة، ونبدأ بأنفسنا قبل أن نقدم النصح والإرشاد للآخرين وهذا ما يخفف أعباء كثيرة عندما نكون واقعيين بأفعالنا وأفكارنا نطبق على أرض الواقع فيمشي الأبناء على منهج الآباء بعيداً عن التنظير، ما يخلق الاحترام المتبادل والتقدير ويكسر كل الحواجز بين الألفة ويرى الأبناء من أهلهم القدوة.
شرفاوي: هناك بعض الأفكار المغلوطة لدى الأهل هي من تصنع الفجوات
واعتبرت شرفاوي أن هناك بعض الأفكار المغلوطة من قبل الأهل التي تصنع الفجوات حيث يجعل الأب ولده نسخة طبق الأصل عنه وكذلك الأم، ما يؤدي إلى تحطيم أحلامهم وأمنياتهم وشخصيتهم، وهذا يعود إلى العادات والتقاليد المكتسبة من الأجداد وهي غالباً مفروضة على جيل القديم فهو لا يتماشى مع العصر الحالي بكل مفاهيمه ما يؤدي إلى ضعف شخصية الأبناء وتحطيم معنوياتهم بصعوبة التواصل مع الأهل، ومما يجعل فجوات بين الأبناء وأهلهم الخلافات الزوجية فيصبح الأولاد محور الانتقام بين الزوجين حيث يفقد كل من زوجين مصداقيته واعتباره بنظر أبنائهم ما يؤدي إلى التمرد وخاصةً عند استعمال الأهل أسلوب التنمر والاستهزاء لشخصية أبنائهم بدل تحفيزهم وتشجيعهم وزرع الثقة بالنفس، ما يجعل حواجز وفجوات وصعوبة بالتواصل الفكري والنظري والاجتماعي.