«الطاقية والوشاح والعباءة» أزاحت كلمة «مبروك» وقبلة الجبين كعنوان للتخرج في الجامعة.. وحفل التخرج تجاوز المليوني ليرة 

تشرين- سراب علي: 

أزاحت (الطاقية والوشاح والعباءة) كلمة «مبروك» وقبلة الجبين التي يطبعها الآباء والأمهات على جبين أبنائهم المتخرجين، لتتبعها جلسات التصوير والضيافة والثوب الجديد الغالي الثمن لتصبح معيار التعبير عن الفرح بتخرج الطالب في الجامعة.

موضة اليوم، التي انتشرت بين الطلاب المتخرجين والتي أطلقها الطلاب الميسورو الحال، باتت عرفاً عند الجميع من دون استثناء بل يتنافس فيها الطلاب على اختلاف مستوياتهم المادية، حتى شكلت عبئاً حقيقياً على أهالي الطلاب الذين يستدينون من هنا وهناك لإكمال مراسم حفل تخرج أبنائهم، حيث أوضاعهم المادية سيئة وهم غير قادرين على مجاراة هذه الموضة .

عرف جامعي باهظ 

وإذا ما توقفنا عند تكلفة حفل التخرج هذا فإن الطاقية تكلف بين ٥٠ و٧٥ ألفاً ، والوشاح يتراوح سعره بين ٧٠ و ١٠٠ ألف، وطبعاً تلك التكلفة حسب نوع وشكل التطريز وكتابة الأسماء، ليصل سعر العباءة إلى ٢٠٠ ألف حسب النوعية، وهذه الأخيرة يستغني في مجمل الأحيان عنها الطلاب ويكتفون بالطاقية والوشاح اللذين بالكاد يؤمنون ثمنهما، ناهيك بباقة الورد التي أقلها بـ١٥٠ ألفاً وجلسة التصوير التي تتراوح بين ٣٠٠ و٤٠٠ ألف حسب عدد الصور، إضافة إلى تكلفة مشروع التخرج وضيافة التخرج وغيرها من متممات التخرج، أضف إلى ذلك الثياب الجديدة التي اختارها الطلاب بأن تكون بذلة رسمية تفصل خصيصاً لهذا اليوم وتتراوح تكلفتها بين ٥٠٠ و٨٠٠ ألف بحدها الأدنى حسب نوع الموديل والقماش.

فرحة مرهونة بالاحتفال 

يؤكد عدد من أهالي الطلاب المتخرجين أن تكلفة حفل التخرج من ضيافة وجلسة تصوير وثياب جديدة لأبنائهم وصلت إلى ثلاثة ملايين ليرة وهذا فوق طاقتهم حتى إن بعضهم لجأ إلى القروض والاستدانة من الغير لسداد تلك التكلفة.

أما الطلاب على اختلاف اختصاصاتهم فأكدوا أن حفل التخرج أصبح عرفاً جامعياً متعارفاً عليه وهو من اساسيات التخرج في الجامعة ويوثق لحظة تخرجهم وينسيهم تعب السنين، وهذا أقل ما يمكن أن يكافئوا أنفسهم به بعد سنوات الدراسة .

وهنا يبقى السؤال، هل فرحة التخرج مرهونة بهذا الاحتفال المكلف كما يقول الكثير من الطلبة؟ وكيف يمكن للطالب التعبير عن فرحته بالتخرج من دون هذه التكاليف التي أرهقت الأهالي؟

اختصاصية اجتماعية: موضة طفت على السطح حملت معها الهموم والأثقال 

استعراض عند البعض

هنا ترى الاختصاصية الاجتماعية والتربوية الدكتورة سلوى شعبان أن حفلات التخرج أصبحت هذه الأيام لافتة للانتباه بكل ما تحتويه من استعراض عند البعض، مترافقة مع التكاليف الباهظة التي تدفع وترصد لإظهار صورة ما عن الشخص الخريج ومستواه الاجتماعي والمادي، ولعل هذه الظاهرة انتشرت بكثرة بسبب موضوع التقليد والتباهي والانتشار المرئي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولحصد مئات وآلاف «اللايكات»، وجعل صاحب الاحتفال كبطل يطل على جمهوره بصور متنوعة ولباس ذي قيمة مادية مرتفعة له ولعائلته، إضافة إلى موضوع تنسيق الزهور وأصناف الحلوى والضيافة والكاميرات وجلسات التصوير التي تنتقل إلى خارج حرم الجامعة ربما إلى فنادق خمس نجوم ومطاعم مشهورة ومولات وماركات كلها لإظهار صورة معينة أمام الرأي العام المحيط بالخريج.

وتضيف شعبان: قد يضطر الأهل للاستدانة لتنفيذ ذلك للطالب الخريج حتى يبرهنوا لابنهم أنهم يحبونه ويقدرون نجاحه، وطبعاً هذا شيء مرفوض ويغرس في داخله الهروب من الواقع وبذل الكثير للتقليد ومجاراة الآخرين، ولن ننسى أن هناك عائلات وأسراً فقيرة كادحة لديها أبناء متفوقون ويتخرجون في الجامعة ودخلها بالكاد يكفيها لشراء متطلبات طعامها اليومي وليس باستطاعتها تأمين ذلك لأبنائها.

شرخ بين الطبقات 

وترى الدكتورة شعبان أن هذا يزيد الشرخ بين طبقات المجتمع ويخلق لدينا فرزاً بين الأفراد مبنياً على الحالة المادية، بل يزرع في قلوب الكثيرين الامتعاض والكراهية والحزن لعدم الاستطاعة بفعل ذلك، لكنها تؤكد أنه حق طبيعي الاحتفال بالنجاح واكتساب شهادة جامعية أو غيرها على اختلاف التسميات ، وهو دافع لمتابعة مسيرة النجاح وتحقيق الإنجازات الشخصية وقطف ثمار تعب سنين وسهر ليال والشعور بنعمة الانتقال إلى مرحلة جديدة ونضوج فكري بالدخول إلى حياة عملية واقعية تعطيه صفات وقوى داعمة .

فاق التوقعات 

ولكن تقول شعبان: لعلّ ما نراه الآن قد فاق توقعات الخيال كموضة طفت على السطح وحملت معها الأثقال والهموم للكثيرين، وأصبحت عبئاً على الأسرة بالسعي لتأمين مبالغ كبيرة للتحضير لهذا التخرج ودعوة المقربين والأصدقاء، وقد يلحق ذلك حفل فني في أحد الفنادق او المطاعم، وهذا شيء إضافي ضاغط لما ذكرنا في البداية.

وأضافت: كنا سابقاً نكتفي بكلمة «مبروك وعقبال الشهادات الأعلى» وقبلة على جبين الخريج وزغرودة من الأم أو الجدة أو الجارة, وهذا هو الأفضل والأنجح للجميع لأن كلمة مبروك نابعة من القلب وتعادل آلاف المجاملات التي ننتظرها بعد إقامة حفل باهظ التكاليف وكلمات كلها نفاق وثرثرة وعدم رضا عن اهل الخريج بعد انتهاء الحفل مهما قدموا لهم .

الفرح بأقل التكاليف 

وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية أننا نستطيع أن نعيش الفرح بأقل التكاليف والإجراءات، كما نستطيع أن نكون سعداء بتدابير بسيطة في بيوتنا فيما بيننا كأسرة وأهل، ونستطيع تبادل ثوب التخرج بين الأصدقاء ومنها ما يكون موجوداً ضمن الجامعة، إضافة للتخفيف من تنوع وكثرة الضيافة بالاعتماد على صنف معين يفي بالغرض، وحفل بسيط في المنزل، وبعض الأغاني وبعض المأكولات المتوفرة تشعرنا بالفرح والسعادة التي تغمر قلوبنا، وكلمات شكر للأهل لكل ما يقدمونه للأبناء وحسب إمكانياتهم ، فالامتنان يكون بالوفاء والشكر لنعم الله، وأهمها نعمة الأهل والرضا والقناعة والعلم .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار