التغيرات الاقتصادية تدفع المرأة السورية نحو العمل خارج المنزل.. خبير إداري: على الجميع أن يعمل إلا الأطفال

تشرين – حسيبة صالح:

في الماضي كانت الأسرة السورية تعتمد بشكل كبير على الرجل كمصدر رئيسي للمعيشة، كان الرجل هو الذي يعمل خارج المنزل لتوفير الاحتياجات الأساسية للأسرة، بينما كانت المرأة تتولى شؤون المنزل وتربية الأطفال.
لكن مع مرور الوقت، تغيرت الأدوار داخل الأسرة السورية بشكل كبير، اليوم نجد المرأة السورية أصبحت تعمل في مختلف المجالات مثل التعليم والطب والهندسة وغيرها، على أمل المساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي للأسرة، ما بعد الحرب وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة حتى الأولاد خاصة في الأسر ذات الدخل المحدود أصبحوا يساهمون في العمل لتخفيف العبء المالي عن عائلاتهم.
هذا التغيير يعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها سورية حيث أصبحت الحاجة إلى دخل إضافي ضرورة ملحة، كما عكست تطور دور المرأة في المجتمع حيث أصبحت تلعب دوراً أكبر في الحياة العامة والمهنية.

ليلى فتاة سورية من ريف دمشق بعد أن فقدت والدها في الحرب أصبحت هي المعيلة الوحيدة لأسرتها المكونة من والدتها وأخويها الصغيرين، تقول لـ”تشرين”: كنت أدرس في كلية الاقتصاد وأعمل في الوقت نفسه في الاستقبال بشركة أدوية في دمشق لمساعدة والدتي في مصروف البيت، وكنت أعمل في مقهى في المساء، ورغم الصعوبات أنهيت دراستي الجامعية وأصبحت أعمل في الشركة نفسها كمحاسبة مالية.

بدأت بصنع الفطائر أمام منزلي لتأمين احتياجات أسرتي.. بهذه العبارة بدأت أم عامر وهي والدة شهيد من مصياف حديثها لـ”تشرين”، مبينة أنها لم تستسلم بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والدخل المحدود، وبدأت بالعمل وكانت بناتها أيضاً يساعدنها في عملها، ومع صناعة الفطائر تعمل في الزراعة من خلال تعشيب الأراضي الزراعية والقطاف في مواسم الليمون والزيتون.
مضيفة: رغم التعب سأستمر في العمل لتأمين مستقبل أفضل لأولادي، ابنتي البكر دخلت الجامعة وهي تدرس من البيت في الجامعة الافتراضية عبر الإنترنت لتوفير تكاليف الإقامة في دمشق، وبعد تخرجها تقول إنها ستسافر لتحقق دخلاً أفضل لتستطيع مساعدتنا بشكل أكبر في مصروف البيت.

الجميع يعمل
وفي السياق يقول الاختصاصي في إدارة الأعمال الدكتور هاني حداد لـ”تشرين”: كانت الأسر السورية قبل الحرب تكتفي بعمل الزوج أو الزوجة أو الاثنين معاً، وبعد الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها المجتمع السوري لم يعد ذلك كافياً، وأصبح جميع أفراد العائلة يعملون ككل سواء البنات أو الأولاد، بالإضافة لدراستهم الجامعية، ما عزز مفهوم العمل لدى الأسرة، ولهذه الظاهرة إيجابيات وسلبيات.
من إيجابياتها زيادة الدخل حيث يساعد العمل الطالب على تغطية تكاليف الدراسة والمصاريف الشخصية، ما يقلل من الاعتماد على الأهل، كما يوفر العمل فرصة اكتساب مهارات وخبرات عملية يمكن أن تكون مفيدة في المستقبل المهني، ويمكّن العمل الطلاب من بناء علاقات مهنية واجتماعية تساعدهم في الحصول على فرص عمل مستقبلية، ويجبر العمل الطلاب على تنظيم وقتهم بشكل أفضل بين الدراسة والعمل ويساعد على تطوير الاستقلالية والثقة بالنفس من خلال تحمل المسؤولية.
ويشير حداد إلى أن من سلبياتها تقليل الوقت المتاح للدراسة، ما يؤثر سلباً في الأداء الأكاديمي، ويمكن أن يؤدي الجمع بين العمل والدراسة إلى زيادة الضغط النفسي والإرهاق، وفي بعض الأحيان قد لا يكون العمل متوافقاً مع مجال الدراسة، ما يقلل من الفائدة العملية، وقد يجد الطالب صعوبة في التوفيق بين العمل والدراسة والحياة الاجتماعية، ما يؤثر في توازن حياته.
مبيناً أن سورية كانت تتغنى بالمناسبات واللقاءات الاجتماعية، بينما اليوم في ظل هذه الظروف أصبح هناك تباعد اجتماعي وثقافي.
ويؤكد حداد على رفضه وبشكل قاطع عمل الأطفال دون سن الخامسة عشرة، لما له من تأثير سلبي كبير على الطفل من الناحية الجسدية والنفسية.

مقترحات
ويقترح حداد عدة حلول لمواجهة التحديات التي تواجه الأسر السورية حيث يعمل جميع أفرادها، ومنها توفير برامج تعليمية وتدريبية للشباب والنساء لتمكينهم من اكتساب مهارات جديدة تزيد من فرصهم في الحصول على وظائف أفضل، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم قروض ميسرة ودعم فني للأسر لبدء مشاريع صغيرة يمكن أن تساهم في تحسين دخل الأسرة، وتوسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية لتشمل الأسر الأكثر احتياجاً وتوفير مساعدات مالية وغذائية، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والإنسانية لتوفير الدعم المالي للأسر السورية، وتنظيم حملات توعية لتشجيع الأسر على تحقيق توازن بين العمل والحياة الأسرية وتقديم نصائح حول كيفية إدارة الوقت بشكل أفضل.
أخيراً
عمل أفراد الأسرة في سورية بعد الحرب يعكس روح الصمود والتحدي التي يتمتع بها الشعب السوري على الرغم من الصعوبات والتحديات الكبيرة التي واجهته، إلا أن التعاون والعمل الجماعي ساهم في بناء مستقبل أفضل، الأمل والعمل الجاد يمكن أن يكونا مفتاحاً للتغلب على الأزمات وتحقيق الاستقرار.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار