على ذمة المسؤولين الأميركيين الذين نقلوا مجريات المحادثة الهاتفية بين الرئيس جو بايدن ومتزعم الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي جرت الخميس الماضي، فإن بايدن هدد نتنياهو بأنه «إذا صعّد مرة أخرى فلا ينبغى له الاعتماد على أميركا لإنقاذه». والمقصود هنا واضح لناحية التحشيد العسكري الأميركي الجديد في المنطقة، دعماً للكيان في إطار مواجهة الرد المرتقب من إيران والمقاومة اللبنانية/حزب الله (وربما جهات أخرى) على اغتيال المقاومين فؤاد شكر وإسماعيل هنية.. (في سيناريو يُقال إنه سيكون مماثلاً للرد الإيراني السابق ليل 13-14 نيسان الماضي بعد العدوان الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية بدمشق في الأول من ذلك الشهر).
علماً أن من يتحدث عن (السيناريو المماثل) يخطئ تماماً في التحليل والتقدير، فإذا كان الأميركيون أنفسهم يتوقعون رداً كبيراً وواسعاً ومتعدد الجبهات، فكيف يمكن الحديث عن سيناريو مماثل؟
بكل الأحوال، فإن ما نريد التركيز عليه هو تهديد بايدن، بأن الدعم العسكري الأميركي بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير باغتيال هنية وشكر، سيكون عملية الإنقاذ الأخيرة.. وحتى لا يأخذنا التفاؤل، ورغم أن التهديد واضح المضمون والاتجاه، فإنه لا بد من تأكيد التركيز على أن المقصود هو نتنياهو ليس الكيان الإسرائيلي، فهذا آخر إنقاذ لنتنياهو، أما إنقاذ الكيان فهذه عملية دائمة، وسياسة أميركية ثابتة أياً يكن انتماء الرئيس الذي يجلس في المكتب البيضاوي، ديمقراطي أم جمهوري؟
النقطة الآخرى في هذا التهديد، أن بايدن أي الولايات المتحدة تعتقد أن التصعيد في المنطقة سيستمر، وهي تريده أن يستمر، ولكن ليس في الاتجاه الذي يأخذه إليه نتنياهو. أميركا تريد استمراراً في التصعيد يستنزف المنطقة، الأعداء والأصدقاء على السواء، ويستنزف معهم الحلفاء الدوليين، روسيا والصين. وإذا ما انتهى التصعيد إلى هذه النتيجة فإن الولايات المتحدة لن تترك كيانها الذي سيخرج أيضاً مستنزفاً ومنهكاً. هذه الجزئية لا تقلق أميركا، كونها ستعمل على تعزيز كل أنواع الدعم للكيان ليستعيد قوته ويستمر كياناً إرهابياً تهديدياً في المنطقة.
وهذا ما يفسر الغضب والقلق الأميركي، الذي تنقله وسائل الإعلام عن مسؤولي إدارة بايدن. أميركا لا تريد حرباً مباشرة مع أي طرف في المنطقة، وإذا ما وقعت الحرب فهي لا تريد أن تكون البادئة بها، والأمر نفسه ينسحب على كيانها.. وما يقلق واشنطن هنا أن يكون الرد المرتقب ليس من النوع الذي يشعل حرباً موسعة، وإنما من النوع الذي يدفع الكيان نحو إجبارية وقف الحرب وإعلان الهزيمة الكاملة، وعندها لن تقوم له قائمة، وهذا سينسحب حتماً على النفوذ الأميركي في المنطقة.
من هنا يأتي تهديد بايدن لنتنياهو، فإذا لم يستجب فهي نهايته السياسية، إذ إن واشنطن لن تتوانى عن الإطاحة به، وما أكثر الخصوم – حول نتنياهو- الذين يترقبون ذلك.
النقطة الثالثة في هذا التهديد أن واشنطن تخشى فعلياً أن يكون الأوان قد فات فيما يخص احتواء تطورات الأيام المقبلة، لذلك نجد المسؤولين الأميركيين لا يكفون عن التعليق والتصريح، منتقلين من أقصى التهديد في العلن إلى أقصى التهدئة خلف الأبواب، مشددين على نتنياهو ضرورة أن يركز في تصريحاته وتحركاته على مسار التفاوض، وتسريع عملية الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
مع ذلك فإن واشنطن لا تستطيع أن تشعر بالارتياح، لقد كسر الكيان الإسرائيلي كل قواعد الفعل ورد الفعل، وكان إعلان إيران والمقاومة اللبنانية واضحاً لناحية سقوط القواعد، وبأن الرد سيكون خارج المألوف وبما لا يمكن للعدو توقعه، قد يأخذ بعض الوقت لهندسة ميادينه، لكنه قادم حتماً وحكماً.. ولن يكون هناك «مرة أخرى» لنتنياهو.
مها سلطان
59 المشاركات