«مراوحة» عالية المخاطر

وجهة نظر – مها سلطان

ما زالت كل الأوضاع والترتيبات الدائرة والمتعلقة بجبهة غزة، تراوح مكانها، أي فشل متواصل في جولات التفاوض، وتصعيد مستمر يقف بصورة دائمة عند المستوى عالي المخاطر لأي انفلات غير محسوب، وإن كانت جميع السياقات والتطورات بما فيه التصعيد المستمر يخضع لقواعد اشتباك صارمة لا تكاد تنفلت من جهة حتى يتم الاستدراك والضبط.
ولكن إلى متى يمكن أن تستمر هذه الحال؟ واستمرارها لمصلحة من؟ وهل هي متعمدة ومحسوبة؟ وماذا عن سياقات اللعبة الإقليمية/الدولية التي ترخي بظلالها الكثيفة؟
بات من نافل القول، التذكير بأن غزة لم تعد جبهة منفردة وإنما جبهة منطقة وإقليم، ولا يمكن لأي حل أو تفاوض أن ينجح فيها بعيداً عن الإقليم، أي عن الدول المعنية التي ترى أن أي تسوية على مستوى جبهة غزة ستنسحب عليها، بمعنى ستؤثر على مجمل المنطقة، ولأن الصراع لم يَعُد فلسطينياً/إسرائيلياً (عربياً/ إسرائيلياً) بل بات إقليمياً/إسرائيلياً- أميركياً، فإنه من المنطقي القول بأن كل تسوية في غزة ستؤثر على مجمل المنطقة، بل ليس من المبالغة القول إن مستقبل المنطقة كله متعلق بما ستخرج به التسويات حول غزة ومستقبلها ومستقبل القضية الفلسطينية في المرحلة النهائية.
حتى بالنسبة للدول التي تبتعد نظرياً عن مسار التسويات، وتضع نفسها في وضعية المراقب (أو الناصح) الذي لا يريد إقحام/ توريط نفسه.. حتى بالنسبة لهذه الدول فهي معنية بصورة كلية بجبهة غزة وتسوياتها.
وتالياً، ولأن المنطقة هي الأكثر حيوية للولايات المتحدة الأميركية، والأكثر استقطاباً دولياً، فإن كل ما يخص غزة وتسوياتها، لا بد أن توافق عليه أميركا وأن يكون الرأي النهائي لها، ولذلك فإن المنطقة وخصوصاً الدول المعنية لا بد وأن تكون حذرة ومتيقظة لكل خطوة.
لكل ما سبق، يبدو أن جبهة غزة ستطول، وتسوياتها لن تكون ممكنة في القريب المنظور، رغم كل الأصوات التي تتعالى في الكيان الإسرائيلي لتسريع عملية التفاوض والوصول إلى تسوية، فالكيان لا قدرة له على الحروب الطويلة، وهذه الحرب طالت أكثر بكثير ممن يجب ومما كان متوقعاً.. والمخاطر ترتفع وبما لا قِبَل للكيان به.
المخاطر تنسحب حتى على أميركا، ولكن لأن ميزان القوى يميل نحو جبهات الإسناد، والمنطقة عموماً، فإن أميركا لن تأمر بتسوية لا تصب في مصلحتها ومصلحة كيانها، ولتستمر الحرب.
بالمقابل جبهات الإسناد، ليست مضطرة للقبول بتسوية أو تسريع مسار التسوية، في غير مصلحتها، طالما أن ميزان الميدان يميل لمصلحتها بصورة واضحة، ومعترف بها حتى من قبل الكيان الإسرائيلي.
وعليه، فإن أغلبية التوقعات تنحو باتجاه أن لا تسويات في القريب المنظور.. لكن هذه الحال ليست مضمونة النتائج، وأيضاً ليست مضمونة العواقب، أي ليس مضموناً أن يستمر مضبوطاً على قواعد الاشتباك نفسها مهما كانت الجهود المبذولة ومهما كانت عمليات ضبط النفس كبيرة وشديدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار