لم يكن في وارد كل من واشنطن وبرلين أن يتحول دعمهما اللامحدود للكيان الصهيوني، في إبادته الجماعية لغزة وأهلها وكل مقومات الحياة وسبل العيش، إلى وضعهما أمام محاكمة داخلية ودولية في مشهد غير مسبوق وغير متوقع، فمن كان يتوقع أن تُحاسب ألمانيا؟ ومن كان يخطر على باله أن تحدد بقعة صغيرة بحجمها كبيرة في مفعولها -غزة- وفي منطقة الشرق الأوسط مصير رئيس أميركي، أي بايدن، وأن تضع مستقبله السياسي على المحك، بل تعرضه للتجاهل من الناخبين حيث صوت غزة ينتشر في الشوارع الأميركية؟
في أميركا المقبلة على الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل يبدو أن من سيحسم القرار هو غزة وهي من سيصوّت بلسان الناخب الأميركي لمصلحة الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، على أن الأخير تبدو حظوظه متدنية، ليس لأن الأول أفضل في دعم قضية التحرر الفلسطيني، وبالتالي الأحقية المشروعة في الدفاع الفلسطيني عن أرضه وحقه وقضية، فالحزبان لا يدعمان أياً من قضايا التحرر الوطنية لأن عقلية الاستعمار والنهب لا تنتهين بل لأن سوء الحظ الديمقراطي وضعه في مناخ دولي متقلب، ثم جاء العدوان الصهيوني على غزة ودعم الرئيس الأميركي جو بايدن له ليزيد الطين بلّة في توقيت أميركي غاية في الحساسية، وبالتالي فإن بايدن أمام محاكمة داخلية شعبية، إن جاز التعبير، ستتحدد نتائجها بدقة في تشرين الثاني المقبل.
أما ألمانيا فهي تقف اليوم أمام محكمة العدل الدولية في سابقة تاريخية على خلفية دعوى قدمتها نيكاراغوا ضدها لمسؤوليتها عن الإبادة الجماعية في غزة بدعمها كيان الاحتلال، وأياً تكن نتيجة المحاكمة فإن مجرد وضع من يدعمون كيان الاحتلال في قفص الاتهام فهو انتصار لغزة ولقضيتها وضربة لمزاعم «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، من دون أن يقول لنا من يدعمون ذلك عن أي حق يتحدثون؟ على أن ألمانيا أرادت قولاً وفعلاً توفير الأرضية الداعمة للكيان لممارسة الإبادة الجماعية والتهجير والتطهر العرقي بحق أهالي غزة وهي بذلك ترى أنها وسيلة لتعويض الاحتلال عن أحداث «الهولوكوست» المزعومة، ولا يضر برلين في ذلك التعويض عن تلك «الإبادة» المزعومة لليهود بإبادة الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحق.
تحولات تاريخية غير مسبوقة تصنعها غزة وقضيتها.. جنوب إفريقيا وضعت الكيان في قفص الاتهام، ونيكاراغوا تضع ألمانيا في القفص ذاته، وبايدن يعيش أياماً عصيبة وكل من دعم ويدعم الكيان الإسرائيلي يُنبذ بين مواطنيه، والمفارقة أن ذلك يحدث على الساحة الغربية، إذ يمكن القول إن غزة أحدثت تحولاً في تفكير المواطن الغربي الذي كان مغيباً تماماً عن الحقيقة واليوم بات يعيها.. حقيقة الكيان الغاصب وحقيقة الحق المشروع للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
هبا علي أحمد
325 المشاركات