بوادر أمل
شد انتباهي كما غيري في الطريق، وهو يطلق العنان لصوته مردداً بعفوية وبساطة مطلقة بعض الأغاني الشعبية المحببة، ومرفقاً إياها ببعض الحركات اللطيفة.
إنه عامل النظافة الذي اعتدنا رؤيته يومياً وهو يقوم بكنس حواف الطريق الممتد من ساحة السادس عشر من تشرين إلى دوار البريد في مدينة درعا بلا كلل أو ملل، والذي أصبح يجد فيه الكثيرون مثالاً يبعث في النفس جرعةً غنية بالصبر مدعمة بالتفاؤل تساعد على تقبل الظروف مهما كانت قاسية، ويوقظ في داخل المرء إدراكاً أن الحياة ماضية ولن تتوقف عند أحد، وعليه تطويع نفسه للتكيف معها تاركاً بين حناياها فسحة للأمل والفرح.
حالة هذا الإنسان المرحة، ليست فريدة لجهة حسن أداء العمل، فما يشاهده المتابع في مطحنة اليرموك من تفاني العمال على خط الإنتاج فيما بياض الطحين يكسوهم بالكامل، يشعر أن الدنيا لا تزال بخير، وسواد الظروف التي نمر بها لا شك سينجلي ويتحول بياضاً كما وجوه أولئك العمال.
كذلك في المخابز العامة يبدو دأب العمال على خطوط الإنتاج بهمة ونشاط كبيرين، فهذا يواظب على تحضير العجين وذاك يتابع القطاعة والفتاحة والآخر يرقب ويضبط بيت النار وغيرهم على السير الناقل يجمع الخبز، وبعده من يزن ويملأ في الأكياس، من دون أن يجدوا على قلتهم فسحة أحياناً لرفع رأسهم من شدة ضغط العمل.
ومن مثل هذه الحالات إذا بحثت تجد الكثير، ولا سيما بين طواقم إسعاف المشافي و ورشات الصرف الصحي والمياه والكهرباء وغيرها، الذين تشكل الأعمال الطارئة وفي أقسى الظروف والعوامل الجوية جلّ اختصاصهم.
لا شك في أن طبيعة عمل الخيرين هؤلاء لا تقارن بأخرى، وهم يتفانون في الأداء من دون انتظار ولو كلمة شكر، لكن الضروري أن من حقهم تحسين دخلهم وإنصافهم لدى إقرار الحوافز لتكون مجزية وتتواءم مع جهدهم الكبير.