محمد ديوب في «تجليات».. تنويعاتٌ من مدنٍ وبيوتٍ ووجوه ‏

تشرين- لبنى شاكر: ‏
تبتعد أعمال محمد ديوب عن الاستعراض واستجداء «الفرجة»، نحو عفويةٍ لا تنقصها الرصانة، ‏حتى يبدو تعريفه لنفسه بـ «الفنان والباحث المشغول بالتجريب والتحديث، والذي يُفضّل ألا يقف ‏عند حدود، يقترب من الطفولية والعفوية في المعالجة»، سِمةً عامةً لتجربته التي تتشعّب فيها ‏المحاولات والمساعي، أبرزها تدريسه للفنون البصرية والتصميم في سورية وخارجها، والتدريس ‏أيضاً في كلية العمارة للمواد التي ترتبط بالفنون الجميلة، كذلك عمله في تأسيس استوديو فني منذ ‏عام 1983، جدّده هذا العام ليكون بمثابة مشروع فنيِّ وتدريبيٍّ في آن واحد، وفي السياق الكلي ‏كان معرضه الفردي الحادي والعشرون، المُقام مُؤخراً في صالة الشعب تحت عنوان «تجليات». ‏

لوحاتي.. أفكارٌ مُكثّفةٌ تشكّلت بطريقةٍ عفوية من خلال التعاطي مع المساحة بتلقائية دون التزام ‏بفكرةٍ واحدةٍ

مشروعٌ متكامل ‏
يعرض ديوب حصيلة عدة خبراتٍ سابقة، إنما على هيئة موضوعٍ بذاته، بمعنى أنه يُقدّم أكثر من ‏مجموعة، تُمثل كل منها تجارب مختلفة، حاولَ وضعها بطريقة متناسبة، تُراعي وتخدم اعتبارات ‏التناغم والانسجام كونها تُؤلّف مشروعاً متكاملاً، يعود بعضها إلى العام 2008 وأخرى رُسمت ‏في العام الحالي، لكن وعلى حد تعبيره، فإنه مع تنوع التجارب القديمة والجديدة، هناك خطٌ عامٌ ‏يجمعها، بحيث يأتي المعرض ختاماً لمراحل مُجتمعة، أما ما يبدو طاغياً بالنسبة لنا في ‌‏«تجليات»، فيظهر في تواري موضوعٍ خلف آخر، ولذلك أسبابٌ تعود إلى طِباع الفنان، الذي ‏تتزاحم لديه الأفكار أثناء اليقظة والنوم، إضافة إلى تشابك الأحلام مع أحداث الواقع، وفي ‏المحصلة يُؤلف هذا، ازدحاماً بالرؤى والأفكار، وتأتي البصيرة لتضفي بعداً آخر، وهنا كان اختيار ‏العنوان، يقول ديوب في حديثٍ لـ«تشرين»: «بعد أن أنتهي من العمل الفني وأُعيد الرؤيا، أشعر ‏أنه يحتوي على طبقات كالمعالجة الغرافيكية، مُكتظاً بازدحام شكلي وفكري لا يمكن للجميع ‏التقاطه، ولكن هناك من يشاهد أشكالاً لم أتقصد أن تكون أو إيحاءات شكلية لوجوه آدمية مثلاً أو ‏أشكال معمارية، بالنهاية هي أفكار مُكثفة تشكّلت على مساحة العمل مع تنوع المواد المعالجة، ‏والعفوية من خلال التعاطي بتلقائية دون التزام بفكرةٍ واحدةٍ».‏

رغم تنوع التجارب القديمة والجديدة فهناك خطٌ عام يجمعها بحيث يأتي «تجليات» ختاماً ‏لمراحل مُجتمعة

أجزاء ودوائر ‏
تحوي بعض اللوحات، كما أشار ديوب ملامح مدنٍ وبيوت، وأخرى تضم وجوهاً مبعثرة، لكن ‏اللافت وجود أعمال دائرية وأخرى بثلاث قطع، ما يُمكن عدّه تنويعاً واجتهاداً حقيقياً، يشرح ‏ديوب: «عرضت الأعمال الدائرية لأول مرة في المعرض السنوي لجمعية الإمارات للفنون ‏التشكيلية وفي متحف الشارقة للفن الحديث، مع مجموعة أعمال بشكل المربع، وفي هذا المعرض ‏الشخصي لم يعرض إلا جزء بسيط من التجربة، وهي استمرار لأخرى من خلال رؤيا جديدة، ‏لمفهوم البناء وعلاقة البيت بملامح ساكنيه وخصوصية المدن، كل ذلك أعمل عليه من خلال ‏مجموعة تجارب تؤلف كُلاً واحداً تتعانق فيه اليابسة بالماء والسماء، ومن ثم تأتي الأعمال ‏الدائرية مُكملة لهذا الفضاء التشكيلي مع الابتعاد عن الزوايا والأطر، فالدائرة أكثر انفلاتاً ولا ‏حدود تقليدية لها، كما أن المعالجة الشكلية من خلالها تأتي بنتائج مغايرة ومختلفة، وأكثر دهشة، ‏أما الأعمال التي تحتوي على مجموعة أجزاء ثنائية أو ثلاثية فهذه تكون في معالجة موضوع من ‏خلال مرحلة بصرية تخرج من تأثير الإطار الواحد، باتجاه الأجزاء لإراحة النظر ولإغناء المفهوم ‏البصري، ويمكن أن نتعامل مع كل جزء على أنه عملٌ فنيٌّ مستقل».‏

المدارس الفنية المعروفة استُهلكت نقدياً.. والمُعاصرة ستأتي بأساليب جديدة خارجة عن ‏المألوف البصري

خارج التصنيفات
في 52 عملاً فنياً، استخدم التشكيلي مواد مختلفة، يدخل في أغلبها المواد الطبيعية والأكاسيد ‏المعدنية والورق مع القماش، معالجةً بمواد مثبتة لمقاومة عوامل الزمن والرطوبة بالإضافة ‏للمسات بألوان ترابية وإكريليك، وهنا سألنا ديوب حول إمكانية تسمية أعماله بالغرافيكية ‏المعاصرة، ولا سيما أنها تحوي أشكالاً من الكولاج، وكانت إجابته «بما أني خريج كلية الفنون ‏الجميلة ومتخصص بالتصميم الغرافيكي، فيمكن أن يكون هناك طابع ما من خلال التصميم سواء ‏بتكوين اللوحة أو بالمعالجة التقنية، وتواجد الكولاج أحياناً يأتي في هذا السياق، أما أن تُحدد ‏بالغرافيكية المعاصرة أو تنتمي لمدارس معينة، فأنا لم أتقصّد أن تُؤطر أعمالي بمفهومٍ مُحدد لأن ‏المدارس الفنية المعروفة استُهلكت نقدياً، والمعاصرة ستأتي بأساليب جديدة خارجة عن المألوف ‏البصري، فيجب أن تكون أعمالي تالياً خارج هذا الإطار تماماً، وكما أحاول تكوين توجهٍ خاص ‏وأسلوبٍ مغاير، لأنني مستمر بالتجريب والبحث، لا أتوقف عند أسلوب، وأحاول جاهداً أن لا ‏أتأثر بأعمال فنية محددة مع أني دائم الاطلاع والمتابعة للمعارض الفنية العالمية، وأُدرك أن عين ‏الفنان يجب أن ترى الكثير من المنتجات الفنية مع آخر التجارب والتطورات الفنية، لصقل ‏التجربة وإغنائها».‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار