“التكنولوجيا الغادرة” تعصف بالشباب السوري.. وخبراء يطالبون “الاتصالات” بالتدخل
تشرين – رانيا احمد:
لم تعد الحروب تقليدية، بل أصبحت تعتمد سياسة الإلهاء وتغيب عقول الشباب بألعاب يتغلب فيها الحظ على المهارة، مستغلة ما يمكن وصفه بـ “التكنولوجيا الغادرة“، تطبيقات ” ملغومة” ومواقع من كل حدب وصوب..ليس اهمها موقع (ايشانسيichancy) لكنه يتصدّر واجهة أزمة حقيقية تعتري شبابنا اليوم..
لقد غرق ذلك الشاب الفاعل في مجتمعه علماً وعملاً، في المقامرات الإلكترونية (موقع ايشانسي) التي تحولت إلى صراع مادي ونفسي يعيش به، تراكمت عليه الديون نتيجة هذه المقامرات لتصل إلى١٢ مليون ليرة سورية، دفعته ليقوم بفعل السرقة، سرقة المنشأة التي يعمل بها.
إذاً الموضوع في هذه المراهنات لم يقف عند الربح والخسارة، بل تحول الشباب إلى لصوص وأصحاب جنح وصولاً إلى الانتحار، فضلاً عن ذلك خسارة الرزق و الأملاك، بما فيها أراضيهم ومنازلهم.
دمار متعدد الأوجه
يحدثنا مهيار الذي كان أحد لاعبي المراهنات الإلكترونية سابقاً والذي نجا منها بأعجوبة وعاد إلى رشده قائلاً :
إن هذه المراهنات تسبب الدمار النفسي والاجتماعي والمادي وتبدأ بشراء رصيد عن طريق دفع النقود إلى ما يسمى (دلر) وهو الذي يملك محطة رصيد إلكتروني، بدوره يقوم بتحويل الرصيد إلى اللاعب مقابل ١٠ بالمئة عمولة من الرصيد والربح، ثم يقوم اللاعب بالدخول إلى عدة ألعاب إلكترونية أشهرها الشجرة والبوكر والروليت والمراهنة والخسارة الحتمية.
أما فادي فهو أحد الشباب الذي تورط كغيره بهذه المقامرات و تحول بعد توقيعه على أوراق استدانة بفائدة، إلى ضحية من ضحايا هذه اللعبة، ليقبع أخيراَ في السجن لعدم قدرته على إيفاء الديون المترتبة عليه مع الفائدة، مؤكداً أن الرابح الوحيد هو مالك هذه اللعبة ومن معه من وكلاء .
استغلال الشركات الخاصة بالمراهنات الإلكترونية للظروف النفسية و الاقتصادية لفئة الشباب
يرى الدكتور عمار ابراهيم أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين، أن أهم الأسباب التي دفعت الشباب للمراهنات هي أسباب اجتماعية ونفسية أكثر منها اقتصادية، ولكن لا يمكن فصلهم عن بعض، أهمها تفكك الأسرة والمجتمع والاكتئاب الذي لحق أغلب الشباب لعدم قدرتهم على الحصول على فرص عمل تلبي احتياجاتهم، وإرضاء الذات بتحقيق الانتصارات التي لا يمكن تحقيقها بالواقع الذي يعيشون به، وامتلاكهم لأوقات فراغ كبيرة ونقص الاهتمام بالتعليم لكونه لا يحقق لهم الاكتفاء الاقتصادي وربطه بسوق العمل.
تابع ابراهيم قائلاً استغلت الشركات الخاصة بالمراهنات الإلكترونية كل هذه الأسباب لتؤثر على المجتمع السوري من خلال جذب العديد من الشباب، عن طريق حوافز ومغريات، لتحقق لهم أرباحاً طائلة في البداية وفق خوارزميات دقيقة، وأوجدت فخ اللعب بالدين ليتحولوا فيما بعد الى ضحايا لديون المراهنات الإلكترونية، الأمر الذي أدى إلى تفكيك العديد من الأسر لحملها أعباء زادت من ضائقتها المالية.
تدوير عجلة الإنتاج وتصحيح المسار الاقتصادي
وشدد ابراهيم على أهمية التدخل السريع من جميع الأطراف ابتداءً من زيادة الوعي لدى الشباب والرقابة الأبوية انتهاءً بدور المنظمات والجهات الحكومية لقمع هذه الظاهرة، مع تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالمستوى نفسه من خلال معالجة أمراض المجتمع التي خلقتها الحرب على سورية، و الإسراع بتدوير عجلة الانتاج لتحقيق الإنعاش الاقتصادي الذي بدوره يحقق الاستقرار لدى الشباب.
أسلوب ابتزازي جديد للإيقاع بالشباب وحرب من نوع آخر
ابتزاز معلن
اعتبرت الدكتورة ايفا خرمة رئيسة قسم علم الاجتماع في جامعة تشرين أن هذه المراهنات الإلكترونية والتي برزت في السنوات الأخيرة كظاهرة اجتماعية متمثلة بموقع ايشانسي والتي تحولت إلى تريند، بأنها أسلوب ابتزازي جديد يدخل حيز الإيقاع بالشباب للتأثير على مستقبلهم، وهي أحد المفرزات السلبية لاستخدام الإنترنت، وأداة للإيقاع بالشباب وجعلهم رهائن لمن يعمل بها، مؤكدة أن آثارها السلبية لا تطول فقط اللاعب، بل حتى الأهل الذين يضطرون إلى بيع بيوتهم وأملاكهم لسداد ديون أبنائهم في محاولة لإنقاذهم من السرقة والإجرام.
وتابعت خرما بأن هذه الألعاب حرب من نوع آخر لتهميش الشباب وسقوطهم في الهاوية، مؤكدة أنها لا تقتصر على فئة الشباب متوسطة التعليم بل طالت حتى الشبان الذين يمتلكون مؤهلات علمية.
دور الرقابة
طالبت خرما بتشديد الرقابة على المواقع الإلكترونية وإغلاقها ومحاسبة المتورطين فيها، وشددت على ضرورة القيام ببرامج توعوية وأن يكون هناك إعلام إلكتروني موجه لفئة الشباب، وأن تأخذ الجامعات دورها بشكل أكبر عن طريق ندوات ووورشات عمل، مفسرة وجود هذه الظاهرة الاجتماعية، كنتيجة حتمية للوضع المعيشي والاقتصادي المتردي الذي يعيشه الشباب.
ايشانسي موقع غير مرخص عشوائي ولا يخضع للرقابة
مواقع عشوائية
الدكتور بسيم برهوم رئيس قسم البرمجيات ونظم المعلومات في كلية الهندسة المعلوماتية – جامعة تشرين، حدثنا قائلاً: إن موقع ايشانسي من المواقع العشوائية، غير المرخصة وغالباً لا تخضع للمراقبة، انتشر بشكل كبير في سورية خلال العام ٢٠٢٤/٢٠٢٣ لأنه يدعم فتح الحسابات بسهولة، على عكس بقية منصات المراهنات التي تقيد خدماتها في الدول التي تخضع للعقوبات الاقتصادية أضف لذلك قلة القيود باستخدامه.
عاطلين عن العمل
واعتبر برهوم أن موقع ايشانسي هو الأكثر انتشاراً وخطورة، لأنه يقوم على استقطاب فئة الشباب والمراهقين، واعتماد سياسة (الإغراء) ، وصولاً إلى الإدمان الإلكتروني للمشتركين، التي قد تؤدي إلى جرائم متعددة اقتصادية واجتماعية.
مشيراً إلى أن أهم جانب لانتشار هذه المواقع غير المرخصة هي المجتمعات التي تعاني من ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل.
الحل بالحظر
بالنسبة لإمكانية حظره من الناحية التقنية لفت برهوم إلى إمكانية ذلك بكل بساطة، لكن الأمر يحتاج إرادة جادة في هذا المجال، مشدداً على أهمية نشر التوعية حول مخاطر و أضرار هذه المواقع على المشتركين والمجتمع بأسره.
(تشديد العقوبة و الرقابة منعاً للجرائم الإلكترونية المتعلقة بها)
أكد برهوم أهمية تنظيم عمل هذه المواقع ووضعها تحت المراقبة، منعاَ للجرائم الإلكترونية المتعلقة بها (الإتجار بالحسابات، الإدمان الرقمي) وعدم الترويج لهذه المواقع التي تصل بالعملاء لمرحلة الابتزاز والاختراق الأمني الخطير، من خلال السماحيات التي يعطيها المشترك بالوصول الى ملفاته واستغلالها في عملية الضغط والابتزاز.
واقترح برهوم للحد من هذه الظاهرة تشديد العقوبة على المشتركين في هذه المواقع لاسيما غير المرخصة، ورفع السن القانوني للتسجيل في المواقع المرخصة التي تعتمد سياسات أخلاقية وأمنية واجتماعية واضحة، في إدارة المراهنات الرياضية وغيرها من الألعاب.
١٥ إلى ٢٠ بالمئة نسبة أرباح وكيل الموقع، والباقي يتم تحويله إلى خارج البلاد
في عيون القانون
عن الجوانب القانونية للمقامرات الإلكترونية متمثلة بموقع ايشانسي جاء الرد القانوني على لسان المحامي غسان حسن بأن هذا الموقع هو موقع عالمي خارج سورية، مالكوه مجهولو الهوية، لديه وكلاء في سورية يتقاضون أرباحاً كنتيجة لإدارة الوكالة تتراوح بين ١٥ إلى ٢٠ بالمئة من الأرباح، والباقي يتم إرساله كحوالات خارجية خارج سورية.
وتابع حسن في حال كان الشخص لاعباً أو مراهناً فإن عقوبته في قانون العقوبات لا تتجاوز عدة أيام مع غرامة باعتبارها جنحة وليست جناية.
نسبة أرباح الدلر ١٠ ٪ من قيمة الربح والماستر ١٥٪
أما بالنسبة للدلر والماستر وهم( المسؤولون عن عدة مراكز بيع وتعبئة رصيد)، أشار حسن إلى أن الجرم الذي يتهم به هو تحويل حوالات داخلية وخارجية بطريقة غير مرخصة، وهو جرم مشدد، عقوبته بين سنتين إلى سبع سنوات وغرامات أضعاف المبلغ.
ونوّه حسن إلى أن الشائعات التي يقوم الدلر والماستر بتسويقها والتي تتناول حجم الأرباح الوهمية هي التي ساهمت في انتشار هذا الموقع عن طريق بث الشائعات واتباع سياسة الترغيب والتسويق الكبيرين.
ولدى سؤالنا عن إمكانية حجب هذه المواقع تحدث حسن قائلاً بأن هذه مسؤولية وزارة الاتصالات التي بإمكانها أن تحجب هذا الموقع كما قامت بحجب المواقع الإباحية.