لعب أدوار

لعب الدور من التعابير الأكثر التصاقاً بمهنة التمثيل في المسلسلات والأفلام والمسرحيات، لكنه مؤخراً لم يعد كذلك، بل أصبح يتجسد يومياً في واقعنا المُعاش، ولاسيما لدى الكثير ممن يعملون في قطاعات خدمية مختلفة، والذين قد يتفوق بعضهم بلعب الدور على أبطال الأعمال الفنية، بالرغم من صغر موقعهم الوظيفي.

إن عامل شبكة المياه في بعض المدن والبلدات يجسد مثالاً جليّاً بهذا الخصوص، فهو يكاد يضاهي البطل في الأفلام، إذ يجيد اللعب بدور المياه بشكل قد لا يستطيع أحد أن يدركه، وجمهور المستفيدين في الأحياء السكنية يتوددون له وينشدون رضاه، كيف لا وبيده كل مفاتيح “السكورة”، حتى إن البعض ينصحون الناس بعدم مراجعة من هم أعلى شأناً بالمياه للشكوى على سوء الدور الذي يلعبه، لأنه يستطيع التملّص بمسوّغات شتى، وقد يترجم ردة فعله تجاه الشاكين بسوء أكثر.

والمناوب في إحدى محطات الكهرباء، يكاد أيضاً أن يأخذ دور البطل، إذ بيده جميع القواطع التي تتحكم بالمخارج المغذّية للأحياء، وعندما يتاح له الظرف المناسب يخصّ هذا الحي أو السوق أو تجمّع الحرف أو غيرها بزيادة في التغذية الكهربائية من دون غيرها بخلفيات متعددة، وذلك على حساب حصة حي آخر أو من الوفر المتحقق أحياناً بفعل الأعطال، وإن حدث واحتجّ الجمهور المتلقي للخدمة على ما يحدث، فسرد المسوغات لن يعجزه، ليمر لعبه في أحيان كثيرة وكأن شيئاً لم يكن.

وفي مراكز الانطلاق، تجد القيّم على الصهريج المزود لوسائل النقل العامة بالوقود، وكذلك المراقب لعمله، يتقنان اللعب بدور من تملأ أولاً، لتحمّل الركاب وتغادر باكراً من دون أن تعود في سفرة أخرى، مستفيدةً من غضّ طرف الرقابة وعدم تركيب أجهزة تعقب لها حتى الآن، وليكون مصير مادة المازوت المتاجرة في السوق السوداء، وإن تساءل الركاب المتزاحمون بعد دوامهم في المركز، عن سبب عدم وجود وسائل تقلهم إلى قراهم، تأتي الإجابة المشروخة من المعنيين : تقدّموا بشكوى، وبالطبع كلنا يعلم أن الشكوى بالاسم الصريح قد تسبب لمقدمها الضرر ضمن الظروف الراهنة.

كذلك لا يغيب اللعب بالدور مع أصحاب رخص البناء أو طلبات الترميم أو حرفيي المنتجات الإسمنتية، وذلك لدى استلام مخصصاتهم المقننة من مادة الإسمنت، إذ إن بعض العاملين بمنافذ التوزيع قد يقدمون دور هذا على غيره، مستغلين ظرف قلة الكميات الواردة من المادة، حتى إن هناك احتمالاً بتقديم دور من يتاجر بالمخصصات قبل دور محتاجيها الفعليين بخلفيات معينة.

بالمجمل، إن حالات إتقان دور اللعب في الأدوار كثيرة، ولا تقتصر على ما سبق، إذ يمكن أن تجدها على صعيد تسيير المعاملات العقارية والمالية والمصرفية، ولدى تسليم الطحين للمخابز أو الخبز للمعتمدين، أو عند تخصيص المحطات بطلبات الوقود وغير ذلك، وكله بخلفيات غير سويّة، ومن باب الإنصاف ينبغي أن تحين نهاية مسلسل الفوضى “المكسيكي” الذي طالت حلقاته كثيراً، من خلال كبح (جموح) لاعبي أدواره، وليكن منطلق ذلك أنه لكل شرير في آخر أي مسلسل أو فيلم نهاية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار