الفضاء الرقمي والتطبيقات المتعددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أبعدت الأطفال عن أنشطتهم و أخرجتهم من رداء الطفولة
تشرين- سراب علي:
معظم محاولات الأهالي مع أطفالهم لإكسابهم مهارات وتنمية مواهبهم التي لم تكن لتنشأ بعد لولا إصرار الأهالي على تنميتها من خلال النشاطات والدورات التدريبية تذهب أدراج الرياح بوجود مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث بدورها برامج وفيديوهات أكثر تأثيراً وتقبلاً لدى الأطفال بل وأكثر ترسيخاً في ذاكرتهم، حيث يستنبطون منها الأفكار والتصرفات منجذبين لها بكل حواسهم، حتى تصبح جزءاً من حياتهم يتمسكون بها مقابل ذلك يرفضها الأهالي رغم تقديمهم لهم على طبق من ذهب، عندما يتركون الأجهزة الذكية بكل محتوياتها بين أفكارهم وأيديهم من دون اختيار ما يناسب أعمارهم من قبيل أنَّ تلك الأجهزة المتطورة جزءٌ من الحياة ولا بدَّ من مواكبتها منذ الصغر، حتى بات أطفالهم يخرجون رويداً رويداً من رداء طفولتهم بتقليدهم للشخصيات الفيسبوكية في تصرفاتهم وكلامهم وأفكارهم.
لا يتأثر بأنشطته
أكد أحد الآباء أنَّ طفله ذا الخمس سنوات أكثر تأثراً وتعلقاً بالفيديوهات التي يشاهدها على اليوتيوب في حين يحرص على ملء وقته بأنشطة متنوعة يقضي فيها كل يوم ٤ ساعات بين الموسيقا والرياضة واللغة الإنكليزية، ولكنه لا يكترث بما يقدمه له المدربون في تلك الدورات، ولا يراه يتحدث عن أي نشاط مارسه أو تعلمه خلال يومه كما يتأثر بمقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، لا بل ويقلدهم، أو يتحدث عما يراه بكل تركيز سواء كان ما شاهده فيديوهًا لشخصيات كرتونية أو استخدامه لبرنامج تعليمي.
اختصاصية اجتماعية : لابدَّ من دمج الأنشطة مع عالم الفضاء الرقمي بأسلوب علمي تربوي سلس
بدورها بينت إحدى السيدات أنّ المقربين منها والجيران والأصدقاء يصفون طفلتها بالطفلة الشابة التي باتت تتعلق بالأغاني والفيديوهات وتقلدهم بكل شيء حتى باتت ملامح الطفولة تغيب عن تصرفاتها، رغم أنّ ابنتها ذات السبع سنوات ذكية ومحبوبة من الآخرين.
هاتان الحالتان من بين آلاف الحالات التي يعيشها الأهالي مع أطفالهم يومياً والتي باتت تشكل قلقاً للكثير من الأهالي، متسائلين عن سبب تعلق أطفالهم بتلك الفيديوهات وتأثرهم بها أكثر من تأثر الأنشطة التي يتعلمونها يومياً وجهاً لوجه مع مدربيهم؟
يشبع الأنا بداخله
الباحثة في القضايا التربوية والنفسية، الدكتورة سلوى شعبان أكدت أن الطفل ابن بيئته، هكذا نعرف وهكذا تثبت لنا الحياة، إذ ينمو ويكبر وسط الأجواء الموفرة له والمهتمة به والراعية لشؤونه والتي تحرص أن تجعل شخصيته تصل حدَّ الإشباع تربوياً وأخلاقياً وأدبياً ، وتعزز ثقته بنفسه وتدعم وجوده وتصقل مهاراته ليكون في حالة سليمة متكاملة.
وأضافت شعبان: النوادي الصيفية التي تقدم الأنشطة المتنوعة من رياضية وفنية وفكرية وتعليمية تعدّ الجو الأكثر غنى تربوياً تجاه الطفل، كما أن المكتبات العمومية ومراكز التنمية المبكرة لدى المؤسسات المجتمعية ومنارات الأمانة السورية للتنمية، والآن هناك النوادي الصيفية المدرسية بمختلف أنشطتها، كلها تصب ضمن المسار نفسه بالاهتمام بالطفل ورعايته وإغنائه، بما يغني نفسيته ليكون على مستوى أدبي وأخلاقي وجسدي مميز، لكننا حالياً نلاحظ أنّ هناك حالة لافتة للانتباه حول اتجاه الطفل لعالم الفضاء الرقمي والتطبيقات المتعددة عبر وسائل التواصل التي جذبته بقوة وأخذت انتباهه وميوله وأعطته الدور الأكبر ليكون بطل استعراض عبر هذه الوسائل بالصخب والموسيقا وتقليد الحركات لفنانين بمستويات فنية تكاد تكون بمراتب هابطة ومستويات متدنية، فالطفل هنا يشبع الأنا بداخله ويبرز بقوة بشخصية غير بريئة وبكثير من الأحيان تصل درجة الوقاحة عند البعض ليكونوا خارج تصنيف الطفولة وبالأحرى نقول: أين الطفولة؟
وتابعت شعبان: لأننا لم نعرف ونعزز تقديم المعلومة والنشاط المرافق لها بطريقة مدروسة وصحيحة، ولم نعطِه الإرشادات السليمة لطريقة التعامل ضمن عالم الإنترنت الذي يعدّ سلاحًا ذا حدين، نحن مع الطفل أن يستطلعَ عالم الإنترنيت الواسع ويبحث ويجد الفكرة والخبرة، فلماذا لا ندمج هذه الأنشطة مع عالم الفضاء الرقمي بأسلوب علمي تربوي سلس نلقي فيه الضوء على مخاطر ما يفعله الأطفال والمراهقون حالياً، وهم تبعية لتطبيقات تهدر الوقت وتأخذ الخصوصية والحياء وتعطي بدل عنها تصرفات لا تليق ببراءة الطفولة ونقائها.
ولفتت شعبان إلى أن الأهل والأسرة والمدرسة يتحملون مسؤولية الوصول إلى هنا إضافة للضعف في عملية الدمج ووجود فجوة ضمن دائرة الاهتمام والتربية، الصورة الملونة عبر الفيديوهات جاذبة والموسيقا صاخبة والحركات لافتة حملته لعالم حالم أنساه كل ما يمكن نهله من معرفة وخبرة وتنمية ذاتية.
وحسب شعبان، المطلوب النهوض بعالم الطفل وإثراء عمل النوادي الصيفة التعليمية والرياضية والفنية، والمشاركة الأهلية والمجتمعية بأنشطة التطوع والتخييم والكشافة لما لها من دور في رفد المجتمع بشريحة مهمة تشغل نسبة لا بأس بها، وهي القاعدة الأولى لبناء المجتمعات ونهضتها.