في انتظار رشد الخطاب.. ها نحن نُبحر في الوهم
تشرين- ادريس هاني:
أخشى من هشاشة الوعي الذي نقرأ به الحوادث الواقعة في جغرافيا سياسية لازالت مُثقلة بأوهامنا، قياس جهد الكفاح الذي تخوضه الشعوب ضدّ الغزاة لا يخضع لقانون الميكانيكا، لأنّنا بوهمنا نمارس قوة ضدّ كفاحنا، وبوهمنا نُعقد مخارج الحلّ.
الوهم قوة خفية كبيرة، تعيق حركة الوعي، وتجعلنا نستأنس بالتواهم الجماعي حدّ العُصاب. في كلّ صباح نتحدّث عن نهاية العالم، ونصبّ من كنانةِ وعينا الشّقي كل أشكال «حكم- قيمة».
الذي يؤلمنا أكثر، هو حين نجد العدوّ يورطنا في مزيد من ذلك الوهم، ويملي لنا، بل يوجهنا إلى مزيد من الأنس بشقاوتنا. هذا التشويش الأعظم على الوعي السياسي، يورث للأجيال القادمة هلاوس تفوق ما نحن فيه. إنّ أوهامنا حقاً باتت استراتيجية.
إنّ الوهم ينسف كل مكتسبات أمّة حائرة، انقطعت أسباب التّرقي فيها، وكَثُر قِيلُها وانكسرت شكيمتها حتى طال لسانها واندلق ريقها. لا أحد يفكّر ثم ينظُر فيُقدِّر الموقف. إنّ هناك جرائم تُرتكب في حقّ الوعي العربي، سموم في صميم آرائنا السياسية، خلط فاحش بين التمنّي والنّظر، زعرنة في أحكام قيمة شاردة على ألسُن أقل ما تستحقه القطع بمقصّ الإسكافي. تمرّ السنين ولا شيء يتطوّر في الخطاب، كأنّنا أمّة تلتقط المعنى من سوق الخردة. عملية تهريب الأفكار والمعاني، مُحاكاة حيوانية وإيمائية مُمسرحة وكذب على الأجيال.
الخوف من أنّ الهزيمة تتشكّل داخل وعينا الشّقي. خطابنا الذي يحمل مظاهر داء الكلب السياسي. والغريب أن المكابرة ظاهرة، والعناد لا حدود له، والإصرار على الخطأ مستمر، وذلك لأنّ معضلتنا تكمن في مقاصد وعينا، في النّفس الأمارة بالسوء، في عدوانية المهزوم وانتهازية المخاتلين ودجل من ليس لهم من الوفاء قطمير ولا من الضمير نقير.
كاتب من المغرب