في ذكرى أول إرسالٍ تلفزيونيّ سوريّ لحظاتٌ من الدهشة والإبهار صنعها السوريّون

تشرين- ميسون شباني:
أقل ما يمكن وصفه هو الانطلاقة المعجزة؛ لحظة من الدهشة والإبهار شهدها السوريون يوم الـ23 من تموز عام 1960، فكانت عبارة «هنا دمشق» أولى الكلمات التي نطق بها د. صباح قباني الذي رافق انطلاقة أول إرسال تلفزيوني سوري منذ 63 سنة، وأعلن فيه عن تأسيس التلفزيون العربي السوري سنة 1960
يقول د.قباني في مذكراته «أوراق العمر»: إن فكرة إنشاء التلفزيون بدت كأنها تحليقٌ في الفضاء، وجاءت عبر قرار صدر قبل ثمانية أشهر من تحديد موعد انطلاق بثه متزامناً مع احتفالات أعياد ثورة تموز وانطلاق شارة بث التلفزيون المصري في القاهرة في الوقت ذاته، وحملت شارات الفواصل البرامجية حينذاك اسم «التلفزيون العربي».
نافذة على العالم
ويضيف د. قباني في مذكراته إن أول بث له كان من أعلى قمة في جبل قاسيون، على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر، إذ أقيم استوديو الإرسال التلفزيوني الذي بث التلفزيون منه كل برامجه، وكانت محطة الإرسال تعمل بقوة منخفضة لا تزيد على 10 كيلو واط وتبث بالأبيض والأسود، حينها استمر إرسالها ساعة ونصف الساعة فقط في اليوم الأول، ولم يتجاوز مدى إرساله حدود مدينة دمشق لتزيد بعدها ساعات الإرسال.
ويستذكر د.قباني أن عدد العاملين في إطلاق التلفزيون يوم افتتاحه كان ستة وخمسين شخصاً، من مخرجين ومذيعين ومهندسين وإداريين ومحررين وعمال وسائقين، ولخص الرؤية التي صاغت انطلاقة التلفزيون في كتابه بالقول: عددنا أن الشاشة التي ستدخل إلى بيوت الناس، هي نافذة انفتحت أمامهم على العالم… عالم الثقافة والحضارة والمعرفة، لذلك كان اهتمامنا الأول بذلك القطاع الأكبر من المواطنين والمواطنات، ممن لم تتح لهم ظروفهم الاجتماعية أن يتزودوا بمختلف أنواع العلم والمعرفة، وهي ما يتعين أن يتزود بها الإنسان في هذا العصر.
مرحلة تأسيس الدراما
اعتمد التلفزيون الوليد حينها على الأعمال الدرامية القصيرة والبرامج المنوعة التي كانت تبث على الهواء مباشرة، وذلك بسبب غياب تقنيات التسجيل وقتها، ويعدّ برنامج«الإجازة السعيدة» أحد أوائل البرامج التي بثت على شاشة التلفزيون السوري سنة 1960 وأول برنامج منوع يظهر فيه مشهد درامي كان من إخراج خلدون المالح وبطولة دريد لحام ونهاد قلعي وناجي جبر إضافةً إلى لوحات تمثيلية ضمن برنامج سهرة دمشق، من عناوين هذه اللوحات: «لوحة السائق» بطولة دريد لحام وتاج الدين وترافقت مع حضور لفرقة الفنون الشعبية التي قدمت أجمل لوحات التراث الشعبي للشاشة الصغيرة، وأطلت هيام طبّاع في برامج الأطفال، وناديا الغزي في برنامج «البيت السعيد».. بعدها انطلق فن العرائس بخبرات يوغسلافية ومواهب سورية من خلال برنامج «المسرح الصغير» وشخصية «ديبو الفهمان»، وانضم الفنان عمر حجو إلى عالم التلفزيون ليقدم فقرات التمثيل الإيمائي الضاحك، وبعد أقل من عامين كان التلفزيون السوري قد أطلق إنتاجه الدرامي عبر عدد من التمثيليات منها تمثيلية «ثمن الحرية» التي أخرجها عادل خياطة، وكانت أول عمل درامي تلفزيوني، وهي من بطولة: عبد الرحمن آل رشي، ثراء دبسي، رفيق سبيعي، طلحت حمدي، نزار شرابي، عدنان عجلوني، فاطمة الزين، وغيرهم، وتتالت البرامج والأعمال الدرامية التي امتازت بتنوعها، ولعل أهم الأعمال العالقة في الذاكرة تمثيلية «نهاية سكير» التي كتبها حكمت محسن وأخرجها نزار شرابي، ومن التمثيليات الفكاهية تمثيلية «مجلة الهموم» وكان بطلها فهد كعيكاتي «أبو فهمي»، و«فركة إدن» إخراج عادل خياطة، و«راكبو البحار» للفنان الراحل يوسف حنا، و«الأرض هي الأقوى» من إخراج جميل ولاية.
أول تلفزيون عربي
من جهته، نوّه الإعلامي سعد القاسم بأن طبيعة البرامج جمعت الأسر كلها في حضرة هذا الصندوق الخشبي المسمى(تلفزيون) في سهرات ومناسبات حفلت بالحب والانتماء والروحانية والحميمية في زمن الأبيض والأسود وزمن عدم وجود الفضائيات، واتسمت طروحاتها بالثقافة الواسعة والشمولية، واستطاع في الستينيات أن يكتسب مكانة شعبية كبيرة، من خلال السهرات التلفزيونية الحية التي كان يقدمها خاصة مع زيادة ساعات البث التي وصلت في نهاية الستينيات إلى ست ساعات.. صحيح أنه بدأ بحلم صعب إلا أن الرواد اجتازوه بنجاح منقطع النظير ليكون أول تلفزيون عربي يدار بخبرات وطنية.
انطلاقة معجزة
ويشير الباحث غسان كلاس إلى أن مرحلة انطلاقة التلفزيون شكّلت نقلة نوعية مضيئة في الإعلام السوري خاصة أن أغلب المشتغلين في هذا المجال آنذاك هم من كادر الإذاعة السورية، وعدد العاملين فيه من عمال فنيين وفنانين ومذيعين ومهندسين كان قليلاً جداً، إذ أراد القائمون على تنفيذ هذه المهمة أن يكون ما يقدم على الشاشة منذ الإطلالة الأولى جميلاً ومتقناً وراقياً، وقد جاء الواقع كما تمنوا، وكان حدثاً كبيراً له وقعه حتى إن الصحافة العربية وصفت انطلاقة التلفزيون السوري بالمعجزة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار