معايير متمايزة للجمال.. لكنّ الفتنة واحدةٌ!
تشرين- حنان علي:
على مرّ التاريخ، تطورت طرق التجميل، وتكيفت مع الثقافات المتغيرة والأعراف المجتمعية والتقدم التكنولوجي، لكن البشر لم يتوانوا منذ الحضارات القديمة وصولاً إلى العصر الحديث عن اتباع سبل متمايزة لتعزيز مظهرهم والعناية بأجسادهم .. وكل حضارة تركت بصمتها الفريدة على تطور ممارسات التجميل مساهمة في نشوء مجموعة من الطقوس والاتجاهات الجمالية لا تتعارض بأي حالٍ من الأحوال مع فكرة أن الجمال الحقيقي كامن في الثقة والطيبة والصدق مع الذات.
كحلٌ وحناء
تعكس النُهج التجميلية في المجتمعات العتيقة في بلاد الشام وما بين النهرين إبداع وتطور تلك الحضارات. إذ لطالما افتخرت النساء بتعزيز جمالهن الطبيعي عبر استخدام مستحضرات مميزة للتجميل وتسريحات آسرة للشعر.. وعلى الأغلب كانت النساء يطبقن مكياجاً كثيفاً ومتقناً بما في ذلك الكحل الأسود لتحديد عيونهن إضافة إلى استخدام درجات اللون المحمر لتلوين الشفاه.. ومن المثير اهتمامهن بالأحجار الكريمة المطحونة مثل اللازورد لإنشاء أصباغ نابضة بالحياة، كما قمن بتزيين شعورهن بإكسسوارات وأغطية للرأس مرصعة بالمجوهرات الذهبية أو الفضية.. وللعناية بالبشرة طبقن مكونات طبيعية مثل الزيوت والعسل والحليب لترطيب البشرة وتنعيمها.. وتعد زخرفة الحناء من أهم المذاهب التجميلية آنذاك عبر أنماطها المعقدة على الأيدي والأقدام، ولم تكن هذه التصاميم مبهجة من الناحية الجمالية فحسب، بل كانت بمنزلة تعبيرات ثقافية ورمزية.
تشابك مع الروحانيات
وكانت طرق التجميل في مصر القديمة متشابكة بعمق مع ثقافتهم وروحانياتهم، شاملة للرجال والنساء ممن أيقنوا أن استخدام مستحضرات التجميل لا يعزز جمالهم الجسدي فحسب، بل إنه شكل من أشكال الحماية والأهمية الدينية.. فكان الكحل مكياج العيون المميز على شكل لوز والمعروف بـ «عين حورس». كما تمت الاستعانة بمعجون الطين الأحمر على الخدود والشفاه، وكذلك شاع وضع الحناء ومكونات طبيعية من الحليب والعسل والزيوت لترطيب وتغذية البشرة ، وكانت للشعر حصة حيوية خصت الرجال والنساء مضيفين الخرز والشرائط والشعر المستعار من خصلات الذهب أو الفضة.
جمال طبيعي
وبالانتقال إلى اليونان القديمة، ارتبط الجمال بالتوازن والانسجام، فلم يكن المكياج مطبقاً بكثرة كما هو الحال في ثقافات أخرى، إذ فضل الإغريق مظهراً أكثر طبيعية خاصة أن النساء اليونانيات كنّ يهدفن للحصول على مظهر شاب ذي خصائص قيّمة مثل البشرة الصافية والأنف الصغير والفك المحدد، ومع ذلك استخدمت النساء بعض المكياج الخفيف والمكونات الطبيعية للعناية بالبشرة.
وحظي تصفيف الشعر بأكثر وسائل الجمال تميزاً في مجتمعات اليونان القديمة، فقد عد اليونانيون شعرهم جزءاً مهماً من مظهرهم، وأمضوا وقتاً وجهداً في تسريحات معقدة و تزيينها بملحقات مثل الشرائط وأكاليل الغار ودبابيس الشعر المرصعة بالجواهر.
مظهر أنثوي
خلال فترة عصر النهضة ، تحولت مُثُل الجمال الأوروبية نحو شخصية أكثر حسية. فباتت منحنيات الجسد موضع إعجاب كبير. بدا هذا النمط الجمالي جلياً في لوحات الفنانين كلوحات الإيطالي بوتيتشيلي المكتظة بنساء ذوات ملامح ناعمة وجمال طبيعي. ومع دخولنا القرن العشرين، تأثر مفهوم جمال المرأة بوسائل الإعلام والأزياء، فقد احتفل أسلوب الزعنفة الأيقوني في عشرينيات القرن الماضي بشخصية أكثر رشاقة وصبيانية، في حين مجدت الخمسينيات من القرن الماضي جسد الساعة الرملية والأنوثة المفرطة.
جراحات تجميلية
في السنوات الأخيرة، وفي العديد من دول العالم، ازدادت شعبية الجراحة التجميلية في إدمان متزايدٍ لتطبيق إجراءاتها غير الجراحية والجراحية من أمثال عملية تجميل الأنف، تكبير أو تصغير أو شد الثدي، عمليات شفط الدهون وشد البطن وعمليات نحت الجسم.. في الوقت نفسه تجدر الإشارة إلى تصاعد التركيز على الجمال الطبيعي واحتضان السمات الفردية، خاصة مع نشوء مجتمعات أكثر شمولاً تدرك المعايير المتنوعة من الجمال، و توقن أن الجاذبية يمكنها الطواف بأحجام وأشكال وأعراق مختلفة مكللة بقناعة الأصالة و تقدير الذات .