عن «قصب السبق» وحكايات عن السوريين الأوائل المغيّبين

تشرين- علي الرّاعي:

في الحديث عن «قصب السبق»لدى السوريين الذين قدموا إنجازاتهم الأولى قبل كلّ البشر؛ فإن بذلك يضيق البياض، فمنذ عقود طويلة، ونحن نعدّد؛ قدمت سورية للبشرية أوّل أبجدية صوتيّة كاملة في التاريخ، وأول نوتة موسيقيّة، وأول ملعب أولمبي، وأول برلمان، وأول مدرسة، وأول غرسة زيتونٍ، وأول حقل قمحٍ، كما أقام السوريون التجمعات الزراعية الأولى، وصهروا الحديد، وصنعوا المنجل والمحراث، وشقوّا الأقنية للسقاية والشرب في ماري وآرام دمشق وغيرهما.

أوائل منسيّون

ومما يقال أيضاً إن السوريين (الفينيقيين) اكتشفوا أمريكا قبل كولومبس بألفي عام.. و هم أول من دار حول إفريقيا «رحلة هانو الفينيقي» ومما لا شكّ فيه أنّ أوّلى الشرائع والقوانين ظهرت على هذه الأرض.. فإصلاحات أوركاجينا وشرائع الملك «لبت عشتار» هي التي أوحت لحمورابي فيما بعد بكتابة قوانينه الذائعة الصيت، والتي سُميت باسمه «شريعة حمورابي» التي قال عنها مؤرخ بحجم «ول ديورانت» إنها لا تقل رقياً عن شريعة أي دولة أوروبية حديثة، وإن السوريين كانوا أول من اكتشف المثلث والدائرة وصنع العجلة، ووضعوا المواقيت والتقاويم أول مرة، فقسموا السنة إلى اثني عشر شهراً، والشهر إلى ثلاثين يوماً، والنهار إلى اثنتي عشرة ساعة، والساعة إلى ستين دقيقة، والدقيقة إلى ستين ثانية.. ومن دمشق انطلق القديس بولص ناشراً المسيحية في العالم، ومن دمشق أيضاً؛ انتشرت الإمبراطوية الإسلامية في شرق الأرض وغربها.

زوايا المناهج

غيرأنه ورغم كل هذه «الأوليات»؛ يحق لنا أن نتساءل مع سوريين كثيرين– من يعرف من السوريين شيئاً عن الفقيه القانوني السوري «بابنيان السوري» الذي تنتشر تماثيله وقوانينه في مختلف الدول الغربية، ومن قرأ شيئاً من قصائد السوريين العمالقة في العصر الهلنستي كـ« بلتيس» الشاعرة الغنائية التي أنتج لها الغرب أفلاماً سينمائية، وأصدر شعرها في الكثير من الكتب.. من قرأ « ميلياغروس» كشاعر عالمي كان ذات حين، أو تأمل فلسفة زينون الرواقي ولوقيان السمسياط، مَن من السوريين اطلع على إنشاءات المهندس«أبولودور الدمشقي» وعمارته المنتشرة في مختلف ساحات روما، وغيرهم الكثير من الأعلام السوريين الذين كان لهم إنجازات قصب السبق في مختلف ميادين الإبداع؟

لا تعبر أيها الفتى

يذكر الدكتور سلمان محمد أنّ سبب كل هذا الغوص في ركام النسيان؛ كان مردّه أنهم منسيّون؛ لأنهم مغيّبون عن المشهد التعليمي والتربوي والثقافي الرسمي في سورية.. ومجهولون لأنه لا ذكر لهم في المدارس والجامعات ومناهج التعليم الوطنية في سورية، ولم تطلق أسماؤهم على الساحات العامة والشوارع والحدائق ودور الثقافة في المدن السورية الرئيسة، كما لم تقم لهم النصب والتماثيل التي تُذكر بهم، وقليلاً جداً ما تناولت حياتهم الحافلة الفنون البصرية كالدراما والسينما والمسرح وغيره، كل ذلك لمصلحة إيديولوجيات عابرة وربما ظلامية في أحيان أخرى.. لم تُحقق شيئاً غير النكوص والنوم في أحلام طوباوية وعسلها، مع أن ثمة دعامات فكرية وحضارية موغلة في القدامة، هي لكلّ من أقام في سورية، لو تمّ البناء عليها، ربما حصلنا على عمارات شاهقة في مختلف ميادين الإبداع والاقتصاد، وحتى في مجتمع سوري صرف بكل تنويعاته، لأن كل من أقام على الأرض السورية، ولاسيما من نظر إليها كوطن نهائي، وليس وطناً مؤقتاً للوصول لأوطان أحلامٍ كبيرة؛ كان أضاف مدماكاً جديداً، مهما كان حجمه في عمارتها الجمالية التي تستمدّ نسغها من الأرض العتيقة.

ونختم بهذه الومضة الشعرية لشاعرة سورية، هي «بليتس» التي كانت شاغلة الناس بأشعارها التي تنطلق بعفوية السواقي في سورية واليونان على ضفتي المتوسط، ذات حين أواخر القرن السادس قبل الميلاد.

«أيها الفتى

لا تعبُر دون أن تحبّني

فأنا لا أزالُ جميلة الليل،

وسترى كم هو خريفي

أكثر دفئاً من ربيع أي امرأة أخرى.»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
عمل جراحي نوعي في مشفى الباسل بطرطوس.. نجاح استئصال كتلة ورمية من الدماغ لفتاة بعمر ١٤ عاماً «صحة الحسكة» تتسلم شحنة جديدة من الأدوية "الزراعة" تعتمد أربعة أصناف جديدة من التفاح وتدعو للتشارك مع القطاع الخاص لإنتاج البذور رئاسة مجلس الوزراء توافق على مجموعة من توصيات اللجنة الاقتصادية المرتبطة بتقديم وتحسين واقع الخدمات في عدد من القطاعات بقيمة تجاوزت تريليون ليرة.. 28 مليون مطالبة مالية عبر منظومة الشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية أميركا تعود إلى مسار «اليوم التالي» بمقايضة ابتزازية.. و«كنيست» الكيان يصوّت ضد الدولة الفلسطينية.. المنطقة مازالت نهباً لمستويات عالية المخاطر مع استمرار التصعيد شهادتا تقدير حصاد المركز الوطني للمتميزين في المسابقة العالمية للنمذجة الرياضية للفرق البطل عمر الشحادة يتوج بذهبية غرب آسيا للجودو في عمّان... وطموحه الذهب في آسيا مسؤول دولي: أكثر من ألف اعتداء إسرائيلي على المنشآت الصحية في قطاع غزة برسم وزارة التربية.. إلى متى ينتظر مدرسو خارج الملاك ليقبضوا ثمن ساعات تدريسهم.. وشهر ونصف الشهر فقط تفصلنا عن بدء عام دراسي جديد؟