سرقاتٌ أدبيّة

يوم انتهت حرب تشرين التحريرية طلعت روايات أدبية وقصص دبجها أدباء كان بعضهم مراسلين حربيين على الجبهات، وإذ بواحدة من هذه الروايات تتخطى غيرها إلى الصفوف الأولى باسم كاتب لم يكن «هناك» وتحظى بالاهتمام والدراسات والتقريظ، ثم تقفز إلى عالم السينما، يقبل ببطولتها نجمٌ كانت شركات الإنتاج الأمريكي قد تخاطفته، وهو شاب قبل أن تعيده إلى وطنه بلا عصارة، اللهمّ إلا باسمه الذي كبر جوالاً مع نجمات أوروبيات شهيرات وشركات إنتاج عابرة للقارات، حيث لم تترك لقارة واحدة مجداً سينمائياً يخصّ لغتها وثقافتها!
بعد حين وتقصٍّ وُصِمت الرواية بأنها مسروقة عن أخرى إسبانية قديمة، ومن الاتجاه المعاكس تماماً انفجرت شهرة كاتب برازيلي شغل العالم ولغات الشعوب، عبر الترجمة، برواية سوّقته وجعلت منه كاتباً يبيع ملايين النُّسخ، ومعها تُروَّج أقوالُه وآراؤه وحِكَمُه وأعماله المتكاثرة، ليطلع ناقدٌ ويبدي أصل الرواية العربي، الذي أخذه الكاتب وعالجه بطريقته!
لم تصل إلى يدي رواياتُ الكاتب العربي سارق الرواية الإسبانية بعد ذلك الحدَث، بينما واصل البرازيليّ حضوره في الكتابة ووسائل الاتصال الاجتماعيّ (بديلة الإعلام) حتى إن الكثير من غير القارئات المواظبات كنّ يسألنني كيف يستطعن الحصول على بعض أعماله، وهذا ببساطة بسبب الدعاية والترويج «الذكيّ» بينما يعمل ذهني في مستوى آخر، حيث أتذكر صياغةَ «مصطفى لطفي المنفلوطي» لرواية «ماجدولين» بلغته الخاصة، لكنه يعلن أنها تعريب لرواية الفرنسيّ «ألفونس كار» حيث يخلي نفسه من جناية السرقة، ثم تطوف ذاكرتي فيما قرأت من أدبٍ قديم فلا أرى مثل هذه «الارتكابات المعاصرة»، وتقتحم وعيي الأعمال الموسيقية لكبار من الملحنين، فأسمع تخاطفاً للحن عالمي يستقرُّ في الأسماع على أنه من ثقافة أخرى، لكن الموسيقار لا يجد غضاضة في القول إنه استوحاه من لحنٍ آخر أحبه فاستخدمه بطريقته والآلات التي تطاوعه!
في كل المهن تتشابه بعض القطع والمنجزات، وأنت تغفر استخدام «الستايل»، بذريعةِ أو دافعِ تمازج الشعوب في الأقمشة والأثاث المنزلي وزخرفة الخشب والملابس، أما الإبداع الفني الخالص فلا غفران فيه، لأنه ليس للاستهلاك ولا لمتعة الاستخدام قبل الزوال، بل هو روح وذات الفنان، الذي لا بدّ من أنه يشعر بما شعر به التاجر الذي جاء «شايلوك» ليقتص من جسده الحيّ قطعة، لذلك نرى صاحب العمل الفني المسروق في عصرنا هذا، يقاضي السارق بحجة قوية وأدلّة دامغة ويفوز في دعواه، أما من سرق عملاً لمن طواه الزمن فمحكمته هو «الجمهور» إذا أُتيح له أن يعرف، من دون أن يتوقف السؤال: لِمَ يرتكب الجاني مثل هذا؟ وكيف يتجرّأ عليه؟ وكيف يواجه الذين خدعهم؟ وكيف ينظر إلى وجهه بعد حين؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار