برؤية ثلاثة نقاد مدلولات الـ«قميص» عند القاصة بلسم محمد

تشرين- ثناء عليان:
هبت رياح الإبداع عند القاصة بلسم محمد في العام 1997 وكانت البداية بصدور مجموعتها القصصية الأولى «ريح الشمال»، التي حملتها لتخط «ذاكرة من ورق» 1998م، ومن ثم «نخلة بلا ظل»2001 م، و«لحظات خاصة» 2007م، وكان آخرها بعد روايتها الوحيدة (صهيل وطن) المجموعة القصصية «قميص» الصادرة عام 2019م عن دار الهندسة والأدب، والتي ضمّت أربعَ عشرةَ قصةً قصيرةً توزعت على امتداد 130 صفحة.
هذه المجموعة كانت في احتفاءٍ لأربع قراءات نقدية في المركز الثقافي في طرطوس، شارك فيها كل من الشاعر منذر عيسى والأديب غسان كامل ونوس والأديب علم عبد اللطيف والقاصة نجود حسين، وأدارت الندوة القاصة ضحى أحمد.
أناقة اللفظ واللغة
البداية كانت مع الشاعر منذر عيسى رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس الذي أكد في قراءته أن الأديبةُ بلسم محمد لعبت في مجموعتها القصصية «قميص» دور الراوي، وتجنَّبت الشكل التقليدي للحكاية، إذ طغى السّردُ الناجمُ عن الوعي الكامل للحدث والإحاطة بالجوانب النفسية العميقةِ لشخوصِ القصص، ما أكسب هذا العملَ الأدبي أناقةً متفرّدة في اللفّظ والجوهر والشكل واللغة التي اقتربت من لغة الشعر، كما تجلّى أثرُ القراءات الأولى واضحة على لغةِ القصّ، وذلك من خلال جزالة مفردات لغتها، وهذا يدّلُ على عمقِ ثقافةِ الأديبة والثّراء اللغوي عندها، ويظهر عمق المعرفة والاطلاع من خلال عدد من حالات التناص التي دعمّت النص القصصي ولم تضعفهُ.
لافتاً إلى أن الهمُّ الإنساني ومعاناة البشر طغى على إبداعِ القاصة وكذلك الهمُّ الوطني، مشيراً إلى أن عنوان المجموعة «قميص» هو إسقاط تاريخي لأحقاد 1400 عام، إذ أحسنت القاصة باستخدام هذه الرمزية.
ويرى الشاعر عيسى أن الأديبة برعت في التقاط حوادث قصصها من الواقع وابتعدت عن التهويم دون أن يؤثر ذلك في المستوى الفني ومن دون الهبوط بالمستوى الأدبي، كما استفادت من سعة اطلاعها وتعمقها في علم النفس والسلوك الإنساني للارتقاء بالمستوى السردي، مشيراً إلى أن العناوين الفرعية للقصص ساهمت في عملية شغف المتابعة.
استحضار تداعيات الحرب
بدوره أشار الأديب غسان ونوس إلى أن القاصة بلسم محمد استحضرت في مجموعتها «قميص»، تداعيات الحرب على سوريّة وظروفها القاسية؛ من دون أن تستغرق في التفاصيل المدمّاة، التي ظهر بعضها في القصّة الأولى «قميص»؛ معرّجة على ما واجهته شرائح متعدّدة من جرّائها؛ سواء أكان غدراً وانتقاماً ممّن لم يرتكب ذنباً، أو انخراطاً غرّاً في الإرهاب؛ نتيجة غفلة ومداراة وعاطفة ساذجة؛ «الحبّة الأخيرة»، أو افتراقاً حادّاً وانقساماً مدمّراً؛ «كفّارة»، أو مرضاً خبيثاً يتماهى معه الخاصّ والعام؛ كما في «مغارب ومشارق عديدة»، أو انتهاكاً فجريّاً للقرى الهاجعة بعيداً؛ «نار- أسفار»، أو افتقاداً للخبز والزعتر، وغرقاً في زوارق الموت المهاجرة، واقتتالاً ظالماً بين الوالد والحبيب؛ «بحران وزورق»، أو موتاً مجّانيّاً برصاص طائش في موكب شهيد؛ «على المقلب الآخر»، أو وحدة واغتراباً بعد غياب الأبناء في جبهات النار، وأرجاء الدنيا؛ «الإسفين»، أو لجوءاً مذلّاً خارج البلاد، وامتهاناً من أجل صندوق معونة؛ «للريح أهواء»… لكنّ الحياة ستستمرّ، والتعويض ممكن؛ بمواجهة الجنازة بالعرس، والفقد بالإنجاب؛ «مطر- أسفار».
ولم تغفل القاصّة –حسب ونوس- عن التذكير بأهمّيّة التاريخ من أجل التعرّف إلى ما يمكن أن يكون، وتجاوزه؛ «غزو»، والتنبّه إلى مأساة غياب الحكمة وضرورة الاستماع إلى ما تقول، من دون الاقتتال على التفسير والتأويل! «حكيمة».
محمول قصصي شفاف
أما الأديب علم عبد اللطيف فأكد في قراءته أن ما يميز هذه المجموعة عما سبقها، هو وحدة الفضاء والمناخ والعالم القصصي في المجموعة بشكل عام، فالقصص تقارب موضوع الحرب في سورية، وتتناوله بأدوات سرد متنوعة، يغلب فيها ضمير الأنا الراوي الذي يضفي مصداقية استثنائية على الحدث في القصص، أنا رأيت.. أنا سمعت، وهو اختيار موفق لجهة حساسية الموضوع، وتحمل مسؤولية المحمول الفكري في العمل.
وتناول عبد اللطيف في قراءته محورين اثنين، هما.. الأدبية في النص القصصي المروي، وتالياً.. الهمّ العام الطاغي في مجمل القصص، وهوهم موجّه وضاغط في آن كما يبدو، همّ الوطن، الحرب الدائرة فيه، وهو حدث ممتد سنوات، يستحق من الأدب والأدباء تقديمه من وجهة نظرهم وأدواتهم الفنية والإبداعية.

ولفت إلى أن الأديبة بلسم قدمت محمولها القصصي بشفافية ومن دون تكلف، وبدت الأدبية في النص في أرفع تجلياتها، لا يحبطها احتدام السرد، ولا حزن اللحظة أو فرحها، أو تعدد واختلاف الرواة في النص، مؤكداً أن القاصة لم تكتب مجموعة قميص لتمارس ترف الكتابة، أو تضيف قصصاً إلى رصيدها القصصي، بل هي أمام حالة إنسانية ووطنية، وإن كانت أكبر من التوصيف، إلا أنها تنضوي في كلمات وقصص، هي قصة تكتب بالإبر على آماق البصر، «قميص» مجموعة تكتب الهم الوطني والتاريخي والإنساني بأدواتها الأدبية المتقنة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟