ظاهرة تتوعّد المنظومة التعليمية المشهود لها بالكفاءة سابقاً.. المعاهد الخاصة تنسف حضور المدارس العامة وتربك جيلاً.. التعاطي الرخو مثير للريبة؟!!
تشرين- أيمن فلحوط:
حمل الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة الـ 17 التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة في قرارها في الـ25 من أيلول 2015 وأدرجت في خطتها لعام 2030 التعليم الجيد كهدف من أهدافها، لـ «ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع»
ورغم النجاحات التي تحققت في مجال التعليم في سورية بكل مراحله، إلّا أن هذا القطاع يعاني مشكلات كثيرة تتمثل في انخفاض كفاءته ومخرجاته الاقتصادية على جميع المستويات، ما يتسبب في هدر واسع، إضافة إلى تدني الإنتاجية الفعلية للقوى البشرية العاملة فيه، وضعف تأهيلها، والرقابة على الجودة، واقتصاره على تقديم التعليم كخدمة، وعدم استخدام الأساليب التعليمية الحديثة والاستفادة من التكنولوجيا والمعلوماتية بالشكل الأمثل.
” تشرين” طرحت استبياناً عبر (الفيس) سألت فيه: ” كيف تنظرون لظاهرة المعاهد الخاصة والمدارس البديلة وإطلاق العنان لها على حساب التعليم في المدارس العامة.”؟
جامعيون: المؤسسات التعليمية الخاصة في معظمها تحولت إلى دكاكين هدفها الربح والتجارة بالعلم
وكانت المشاركة واسعة من شرائح المجتمع نرصد معظمها في الآتي:
الصحفيون ركزوا على أن هناك من يروج لهذه الظاهرة من العاملين في التربية، خاصة أولئك الذين يعطون الدروس الخصوصية، سواء كان ذلك في المعاهد أم في المدارس الخاصة أو البيوت، وإظهار المدارس الرسمية فاشلة تعليمياً.
والمطلوب من المعنيين بالتربية إيلاء تلك المدارس الاهتمام، لتعود كما كانت في القرن الماضي، مع محاسبة كل معلم أو مدرس لا يقوم بواجبه على أكمل وجه، منوهين بأنهم ليسوا من أنصار المعاهد والمدارس الخاصة، وكذلك الدروس الخصوصية.
في حين رأى بعضهم أن التوجه للتعليم الخاص، لتعليم أولادهم، بسبب الضعف في الكادر التدريسي، مع أنهم ضدها، لكونها مصاريف إضافية وإجحافاً بحق الأهل والطالب.
وآخرون بيّنوا أنها ارتكاب بحق الجميع وتخريب للجيل الجديد، وكأننا عدنا إلى عهد المدارس التبشيرية التي تبث السم في الدسم.
ورأى بعضهم أنها دليل فشل المنظومة التعليمية، وعدم كفاية المدارس العامة، وقيامها بدورها المنوط بها، وأرجعوا ذلك لهجرة الكادر التدريسي وللنقص في أعداده، وضعف المؤسسة التعليمية خلال ظروف الحرب.
صحفيون: خلل يدفع فاتورته الجميع وإرباك للجيل الجديد
وعدم وجود معايير ضابطة صحيحة لتطوير المنظومة التعليمية، بل على العكس كان هناك تحفيز لنشوء جيل مادي يعتمد على المال كي ينجح، ولو صرفت كل هذه الأموال على المدارس العامة (كمستلزمات وحوافز) لكان الحال غير هذا.
واختصر آخرون المسألة بالقول: وداعاً لزمن العلم الحقيقي، والتعليم صار تجارة خارج حدود التأهيل، وتجربة فاشلة نتيجة توجه المدرسين لإعطاء الدروس الخصوصية بالمعاهد والمدارس الخاصة لتقاضي أجر أعلى على حساب التعليم في المدارس الرسمية، وبذلك يظلم الطلاب المجتهدون على حساب هؤلاء الطلاب.
وللجامعيون رأيهم
عدد من الدكاترة وأصحاب الشأن التعليمي شاركوا في الاستبيان وعدّوا أن ظاهرة المعاهد والمدارس الخاصة تكمن خطورتها في ترسيخ فكرة الإخفاق في تأمين خدمة التعليم المجانية، وبمستوى لائق ومتساو لجميع أبناء المجتمع، والمؤسف أن المؤسسات التعليمية الخاصة في معظمها، تحولت من مؤسسات هدفها بناء الإنسان علمياً وأخلاقياً، إلى “دكاكين” هدفها الربح والتجارة بالعلم، ووجد بعضهم أنها معاهد نصب واحتيال وجدت بيئتها الخصبة، بسبب ترهل التعليم الأساسي والعالي، وفساد المدارس والجامعات، وانتشار الجامعات الخاصة التي تعد سرطان التعليم، وربط آخرون المسألة بضعف الرواتب.
وشخص الحالة عدد من المشاركين بقوائم ثلاث متينة تقوم أولاً على سياسة المنفعة المادية، التي اتبعتها بعض الكوادر العاملة، والمتسلقون في قطاع التعليم، وذلك من خلال عدم القيام بواجبها التعليمي على أكمل وجه في المدارس الحكومية، والتوجه لغسل عقول الطلاب وإقناعهم بأن هذه حال المدارس العامة، والحل يكمن في المعاهد الخاصة والدورات خارج هذه المدارس.
وثانياً الغياب التام لدور وزارة التربية، من خلال عدم تقديم مشروع حقيقي لمواجهة هذه الظاهرة، والتي بدأت تتصاعد منتصف العقد الأول من هذا القرن، واقتصر دورها على تقديم التسهيلات والتراخيص أصولاً، نائية بنفسها، بعيداً عن الخوض بأسباب وتداعيات تصاعد هذه الظاهرة وأثرها لاحقاً.
أما ثالثاً فهو أسلوب ونمط الحياة الجديد عند المشبعين مادياً، لإظهار أنفسهم بأنهم من المجتمع (المخملي)، والتقليد الأعمى من البعض الكثير لهذا الأسلوب.
مديرو مدارس ومواطنون وطلبة: يخشون العمل على خصخصة التعليم مستقبلاً
الأمر الذي جعل الطلاب الجادين، والأهالي يقعون بين سندان تدني مستوى التعليم في المدارس الحكومية، ومطرقة الأعباء المادية الكبيرة في المعاهد والدورات الخاصة.
وتساءل آخرون كيف نشأت ولماذا؟
في حين رأى بعضهم أنها “خيانة” تربوية، ومؤكدين في الوقت ذاته أن الموضوع مهم جداً وينبغي البحث فيه، في ظل أن التعليم الخاص غايته الربح، وليس بناء وتقدم المجتمع، وهو يلعب دوراً سلبياً في تقدم الأمم وازدهارها في أي بلد كان، لكن هناك من لديه المال ويمكن أن يشتري به ما يشاء.
شرائح آخرى
لم تقتصر المشاركة في الاستبيان على الصحفيين وقطاع التعليم العالي، بل كانت هناك شرائح آخرى من مديري مدارس سابقين وعاملين في قطاع التربية، وطلبة وغيرهم، بيّنوا أن ما ينفق على التعليم خارج المدارس الرسمية ( دورات جماعية وساعات خاصة ) أكبر من موازنة التربية بعدة أضعاف، في حين يخشى آخرون العمل على خصخصة التعليم مستقبلاً, وهي بالمحصلة حالة فوضى وعشوائية غير مدروسة، وغير منظمة، الضحية فيها فقط هم أولادنا، لأن هناك من يظن أنها شراكة بين القطاع الخاص، والمتنفذين من وزارتي التعليم والتربية، إضافة لكونها فساداً بحرفية علمية لأن المعلمين هم أنفسهم في المدارس العامة.
وعزا آخرون السبب للاهتمام بمدارس المتفوقين، وتفريغ المدارس الحكومية من الطلاب المتميزين، والتي تمثل شريحة كبيرة من الطلاب، إضافة إلى إهمال متطلبات المعلم وحاجاته وتهميشه، وينبغي العمل على إعادة الهيبة للمدرس، وكذلك تفريغ المدارس العامة من المدرسين المميزين، والاستحواذ عليهم من قبل حيتان المدارس الخاصة مقابل المال، والمدرس مضطر إلى الذهاب نحوهم بسبب الوضع المعيشي الصعب.
رد وزارة التربية
تولى الرد على تساؤلاتنا لوزارة التربية كلّ من مدير التعليم الخاص عماد هزيم ورئيس دائرة التعليم الخاص؛ وبينا أن عدد المخابر المرخصة /686/ مخبراً حتى نهاية العام 2022 م، وتم ترخيص /24/ مدرسة افتراضية خاصة.
آلية المراقبة
أما آلية المراقبة لعمل تلك المعاهد والمدارس من قبل وزارة التربية، فتتم عن طريق تكليف الموجهين الاختصاصيين، للاطلاع على حسن سير العملية التربوية فيها مع مراعاة أحكام المادة /104/ من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004م بأن يتولى أعمال الإشراف والتوجيه والتدقيق والتحقيق في المؤسسات التعليمية الخاصة، كلُّ من يكلفه الوزير أو مدير التربية خطياً للاطلاع على السجلات والملفات، والتأكد من تنفيذ أحكام المرسوم وتعليماته التنفيذية والبلاغات الوزارية، وإثبات ما يقع من مخالفات لأحكامه.
كما قضى المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004م بأن تتولى وزارة التربية أعمال الإشراف التربوي والإداري على المؤسسات التعليمية الخاصة، ولاسيما مرحلة رياض الأطفال والمدارس الخاصة، وذلك من خلال تعيين مديرين مندبين من موظفي التربية الأصلاء، ويتقاضون رواتبهم من وزارة التربية، وتوزيع نصاب الموجهين التربويين بالتساوي على الرياض العامة والخاصة والمدارس، للقيام بالإشراف التربوي والإداري، والتحقق من مدى التزامهم بالأنظمة المرعية، ويتحملون المسؤولية في حال عدم الإبلاغ عند أي مخالفة ترصد لاحقاً، كما تقوم وزارة التربية بتكليف لجان فنية تخصصية للاطلاع على أبنية هذه المؤسسات التعليمية وسجلاتها المختلفة، والتأكد من قيامها بتنفيذ أحكام المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004م وتعليماته التنفيذية والبلاغات الوزارية الصادرة تنفيذاً له وإثبات ما يقع من مخالفات.
الأقساط السنوية
وبشأن من يحدد الأقساط السنوية لتلك المعاهد والمدارس، بيّن مدير التعليم الخاص أن المادة 45 من المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 قضت بأن تحدد الأقساط التي يحق لمؤسسات التعليم الخاص أن تتقاضاها من الطلبة المسجلين فيها حسب التصنيف المحدد لهذه المؤسسات، ومستويات مخرجاتها وفق التعليمات التنفيذية.
تجبى الأقساط المدرسية من قبل المؤسسات التعليمية الخاصة، وفق الأسس المحددة في المادة /37/ من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004م، المتضمنة وجوب التزام المؤسسة التعليمية الخاصة قبل بداية تسجيل الطلاب في كل عام، بالحصول على موافقة الوزارة على الأقساط المدرسية السنوية المحددة من قبلها، لكل مرحلة و إعلانها بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة, وعلى أن يشمل القسط (الرعاية الصحية والخدمات التعليمية وثمن القرطاسية ورسم التسجيل).
مدير التعليم الخاص في وزارة التربية: المدارس الخاصة رديف للتعليم الرسمي وليست بديلاً عنه والوزارة حريصة على تطوير وتحسين ورفع مستوى العملية التربوية وتخفيف الأعباء المالية عن الأهل في مدارسها
أما بالنسبة لأجور الخدمات الأخرى، والميزات الإضافية بما فيها أجور نقل الطلبة، وثمن الألبسة والكتب الإثرائية (باللغة الأجنبية)، فعلى المؤسسة إعلام المديرية وأولياء الأمور بها سنوياً قبل التسجيل, ويعد حجب هذه المعلومات مخالفة صريحة توجب المساءلة في ضوء المواد ذات الصلة.
– تمنح المؤسسة أولياء الأمور إيصالاً موضحاً فيه اسم المؤسسة بالمبالغ المسددة من قبلهم وبشكل مفصل.
– تجوز إعادة النظر بالأقساط المذكورة في البند الأول من هذه المادة بما لا يتجاوز (5%) كل سنتين على ألّا تشمل الزيادة الطالب القديم أكثر من مرة واحدة ( روضة, حلقة أولى / أساسي، حلقة ثانية/ أساسي , ثانوي ).
– للوزارة الحق في إعادة النظر في أحكام هذه المادة عند اللزوم وفي حالة صدور قوانين أو مراسيم بزيادة أجور العاملين أو قرارات بزيادة أسعار المحروقات.
– إذا تجاوزت المؤسسة التعليمية الخاصة الأقساط المعلنة تتخذ بحقها العقوبات المنصوص عليها في المادة (101) من التعليمات التنفيذية من المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004م
شروط افتتاح المعاهد والمدارس الخاصة
يتم ترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة استناداً إلى أحكام المادة (8) من المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004م والفصل الرابع من التعليمات التنفيذية للمرسوم المذكور.
على حساب التعليم في المدارس العامة
يرى مدير التعليم الخاص في إجابته عن تساؤلنا حول زيادة أعداد للمعاهد والمدارس الخاصة وهل يمكن أن يكون على حساب التعليم في المدارس العامة، أن المدارس الخاصة هي رديف للتعليم الرسمي، وليست بديلاً عنه، وأن وزارة التربية حريصة على تطوير وتحسين ورفع مستوى العملية التربوية وتخفيف الأعباء المالية عن الأهل في مدارسها العامة.