الذكاءُ الصناعيُّ صناعةُ مطربين أم تشويهٌ لهم؟

تشرين- سامر الشغري:
لم يطل الأمر كثيراً بعد أن ظهرت في الشهر الماضي أول أغنية بالذكاء الصناعي في العالم عبر استنساخ أصوات مغنين، حتى وصلت هذه التجربة إلى منطقتنا، فكان المصريون أول من تلقفوا التجربة، وصنعوا أغاني جديدة لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
مؤلف الأغنية الأم فضّل عدم ذكر اسمه، واكتفى بلقب الكاتب الشبح عندما طرح عمله تحت اسم (Heart On My Sleeve)، عبر استنساخ صوت مغنين موجودين في الساحة هما الكنديان: دريك وذا ويكند.. غير أن المقلدين المصريين كانوا أكثر جرأة، فطرحوا الأغنية باسمائهم الحقيقية لا المستعارة، واختاروا أصوات مطربين راحلين كبار لاستنساخها، فسمعنا أم كلثوم تقدم أغنية جديدة أُلفت للتو، وأدهشنا عبد الحليم حافظ وهو يؤدي أغنية لمطرب ظهر بعد وفاته بسبعة أعوام هو عمرو دياب.
في البداية قدم لنا مهندس معماري مصري شاب مغرم بتطبيقات تقنيات الذكاء الاصطناعي اسمه محمد شكري الخولي، ما سمّاه «مشروعاً من تدريب الآلة على الصوتيات باستخدام الذكاء الصناعي، من خلال عملية تدريب مركبة لنسخ التونات الصوتية لعبد الحليم حافظ على أيّ محتوى صوتي».
وكانت النتيجة عبد الحليم يغني (ميدلي) لعمرو دياب من بينها أغنية (ما يتحكيش عليها)، ولقد علل المهندس الخولي مصمم هذه الأغاني اختياره للعندليب و«للهضبة» مخبراً لتجاربه الأولى بسبب عشقه الشديد لهما، ما جعلني أتذكر قول الشاعر الأخطل الصغير ومن الحب ما قتل.
ولا يزال هذا المشروع وفقاً لصاحبه الخولي قيد التجارب والغرض منه البحث العلمي ومواكبة التطور العالمي، وهو يعلن منذ البداية أنه لن يتوقف عن هذه التجارب سواء نجحت أم لا.
المرة الثانية كانت مع أحد من أصحاب الاختصاص هو الملحن المصري عمرو مصطفى الذي بلغت به الجرأة حداً جعلته يعيد استنساخ صوت كوكب الشرق أم كلثوم وهي تغني لحناً من تأليفه بعنوان (افتكرلك إيه).. لقد حاول مصطفى أن يكلثم هذا اللحن قدر ما يستطيع، فتخلى ملحن أغنية (بشرة خير) عن نمطه الراقص والسريع، وقدم لحنا ذا رتم أبطأ ويحاكي أسلوب الست المعهود.
ولكن مصطفى واجه معارضة ذوي أم كلثوم الذين رفعوا دعوى ضده لأنه استثمر صوت الست من دون أن يأخذ رأيهم، لذلك قام بالتواصل معهم ربما ليدفع لهم مطالبهم النقدية التي كانت تهمهم أكثر من التلاعب بصوت كوكب الشرق ليغني عملاً ما كانت لترضى بتقديمه لو كانت حية، وبأقل مستوى بكثير عن أعمالها كلها.
ومن اللافت أن المطربين أو الموسيقيين الذين صنعوا هذه التطبيقات، قدموا تبريرات واحدة لما ارتكبوه، تقوم على مسايرة الموضة ومواكبة التطورات عالمياً، هذه التطورات التي في رأيهم تتيح التلاعب بحناجر مطربين كبار راحلين، وربما قد تغني فيروز لنانسي عجرم، ووديع الصافي لناصيف زيتون، ما يعني المزيد من الفوضى والغرائبية.
هذا الانبهار بمنتج غربي واحد لم يثبت نجاحه بعد ليس كافياً أبداً ليجعلنا نسمح بتلك المحاولات التي ستؤدي كثرتها لتشويه تراثنا الغنائي وصناعة نجوم افتراضيين وغير موجودين أبداً، والأكثر من ذلك أنها ستنقلنا لمرحلة لم يعرف لها البشر مثيلاً، «عندما لا يمكننا معرفة ما هو حقيقي أو مزيف بعد الآن»، كما كتب أحد المعلقين بعد طرح هذه الأغاني على وسائل التواصل الاجتماعي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار