الاقتصاد التصديري يتأرجح بين إدارة الوفرة والندرة.. واختصاصيون يعززون فكرة التصدير بالتصنيع الزراعي

تشرين – بارعة جمعة:
لا تزال فكرة تجميد وتخزين الموارد بالتجفيف أو التعليب خلال أوقات الوفرة صالحة حتى اليوم، أمام ما يواجه العالم من أزمات غذائية حادّة من نقص في المحاصيل من جهة وسوء في الإدارة لها من جهة أخرى، كما أن لفكرة التصنيع الزراعي التي بدت الأكثر جدوى لجهة الاقتصاد الوقع الأكبر في حلّ مشكلات المواسم الزراعية، التي مازالت حتى اليوم تواجه خسائر متلاحقة في تقدير الخطط الأنسب لها كل عام، ليبقى السؤال اليوم: هل ما يلجأ له المعنيون من خطط تصديرية للمواسم يعادل ثمن الجهد والتكلفة المرهونة لها من الفلاح والدولة؟ أم إنّ لفكرة التصدير بمنتجات مصنعة الدور الأكبر في تلافي خسائر الفلاح واغتنام الفرص بخطط تسويقية أكثر نجاحاً للمنتج؟

تقديرات خاطئة
عدم تنفيذ الخطة الزراعية يؤدي إلى نقص المادة في الأسواق، وبالتالي اللجوء للاستيراد واستنزاف القطع الأجنبي، ملخص بات معروفاً عن عمل الجهات المعنية في ملف المنتجات الزراعية، ولاسيما التقليدية منها كالبندورة والبطاطا والبصل التي لم تسلم من سوء التقدير لزراعتها سنوياً، وفق رؤية الصناعي عاطف طيفور لواقع العمل، ما يدفع لحدوث خلل في العرض ضمن الأسواق.

الدكتور فضلية: المنتج السوري مرغوب لأنه يُصدّر طازجاً

وعند معالجته أو تصنيعه لن يكون قادراً على المنافسة

معادلةٌ ليس من السهل ضبطها، أمام صعوبات كبيرة تواجه الفلاح الذي ما زال يدفع نسبة كبيرة من تخديم الخطة الزراعية لمنتجاته الزراعية من حسابه الخاص، والتي تُعد من أساسيات الصناعة وتُشكل نسبة 84% من المواد الأولية للصناعات الزراعية، القطاع الأكثر أهمية برأي طيفور، لجهة الإنتاج والاقتصاد للبلاد.
ولطرفي المعادلة شروط طبيعية لنجاحها، كلما قلّ تصدير المادة الخام ارتفعت التنمية الاقتصادية، كما يقابل تصدير المادة نفسها استيراد لمنتج نهائي يستنزف فاتورة المستوردات بكمية أكبر وأضخم، فيما لتصنيع المادة الخام الدور الأكبر في تخفيف البطالة ورفع نسبة الصادرات والعرض في الأسواق، ليبقى الخطأ الأكبر هو تصدير المادة الزراعية بشكلها الخام.

رافد اقتصادي
لكل مادة زراعية منتج صناعي يقابله إذا ما ترافق بخطط وآليات مناسبة لعملية التصدير خلال موسم إنتاجه، فالقمح يُنتِج المعكرونة والبسكويت كما القطن دوره في إنتاج الخيط ، والشوندر السكري لتصنيع السكر وتوفير فاتورة استيراده، وبالتالي تشغيل اليد العاملة وتخفيف الهدر للدعم الحكومي وضمان الفائدة من القيمة المُضافة له برأي الصناعي طيفور، الأمر الذي من الواجب أن يكون شعاراً شاملاً لأي مُنتَج زراعي لدعم الاقتصاد الوطني، والابتعاد عن فكرة عدّ الفائض من المادة وجهة للتصدير وبشكل فوري، لكونها لا تخدم فكرة رفد الخزينة بالقطع الأجنبي الكافي، والعمل ضمن سياسة حفظ المنتج الزراعي بتبريده لاستخدامه بالصناعة أو لعرضه ضمن الأسواق المحلية فيما بعد.

الصناعي طيفور: إدارة الوفرة تتم بالاستغناء عن التصدير الخام بتصدير منتجات مصنعة

المشكلة اليوم باتت مركّبة، فالعالم بأسره يلجأ للاقتصاد التصديري وهو دليل الحالة الاقتصادية الجيدة، وفق تقديرات الخبير التنموي أكرم عفيف للواقع، كما أن الصين غزت العالم بالتصدير، بينما تتركز مشكلتنا نحن في عقلية صانعي القرار بتطبيق مبدأ إدارة الوفرة بشكل صحيح، فالبصل كان من الممكن تجفيفه، كما هي حال الحمضيات التي بإمكاننا استثمارها بطرق عدّة طبية وغذائية، والتفاح الذي تعرض للخسارة وكان من الأفضل تصديره بمنتجات مختلفة كالعصائر والخل والمربيات، في وقت أدخل البعض الطحين لتحسين الخبز بنسبة 40%، ليبقى السؤال هنا برأي عفيف.. هل استطعنا إدارة الوفرة بشكل صحيح؟!
من دون إغفال فكرة التسويق، التي لا تزال ضعيفة أيضاً من قبل المعنيين، ممن لجؤوا لأسلوب طمأنة المستهلك بوفرة الإنتاج من دون الاستناد إلى معلومات دقيقة واللجوء لتصديره، ما عكس الضرر بمصلحة المنتج والمستهلك بآنٍ معاً.

الحلقة المفقودة
عدّ أيّ مادة منتجة محلياً مادة إستراتيجية واستخدامها في وقتها أو تحويلها لقيمة مُضافة، هو ما لم يدركه أحد بعد، برأي الصناعي عاطف طيفور، كما لرؤية مكامن الضعف في المنتجات والمصانع الناقصة لتطوير القيمة المضافة وتشميلها ضمن برنامج إحلال المستوردات أو تدعيمها بحوافز مميزة لجذب القطاع الصناعي لها هو ما نحتاجه اليوم، فيما الاستسهال من المعنيين بالدفع للتصدير بدلاً من التصنيع أو التخزين المشكلة الأكبر برأيه، كما بتنا الأحوج للنظر في تحويل الدعم لمخرجات الزراعة بالنسبة للفلاح بدلاً من دعم المادة وتقدير قيمة الدعم ومن ثم إضافته إلى المخرجات، عبر

طيفور: دعم المخرجات الزراعية بدلاً من المدخلات

شرائها بسعر السوق العالمي أو السعر الاسترشادي أو وضع سعر تسويق متوازن يضاف إليه 10% كسعر تشجيعي، كما كان يتم العمل به وفق خطط سابقة.
ما يميز سورية بصفتها دولة زراعية هو مواردها الطبيعية التي يأتي أهمها المناخ والأرض واتساع ريفها وخبراتها الزراعية ومستلزمات وآليات الإنتاج رغم بساطتها، لتأتي في قائمة صادراتها المنتجات الزراعية (خضار – فواكه) المرغوبة جداً في السعودية ودول الخليج العربي، وفق تأكيدات الخبير الاقتصادي عابد فضلية، لكونها (بلدية) كما يُقال وذات نكهة مُحببة بالمقارنة بشبيهاتها من إنتاج الدول الأخرى.
إلّا أن هذه المنتجات تُصدّر خاماً وطازجة وهو ما يزيد الإقبال عليها في الخارج، وفي حال معالجتها وتصنيعها بتجفيف الفواكه أو عصرها أو تصنيع بعضها مثل رب البندورة والمخللات لبعض أنواع الخضار لن يكون المنتج المُصنع مرغوباً كالطازج، وستختلف المزايا التي تم ذكرها سابقاً، كما ستصبح أقل حظاً بالمنافسة بشكل أقوى، وبالمحصلة المنتج السوري لن يكون منافساً إذا تم تصنيعه، والكلام ينطبق على معظم الأنواع عدا بعض أنواع المربيات والفاكهة المجففة.
وهنا يمكننا القول إنّ الحل يكمن، وفق رؤية الدكتور عابد فضلية، في الحفاظ على جودة عالية للمنتجات التصديرية ومحاولة التحوّل للتسميد الطبيعي العضوي والاهتمام بالتغليف والتعبئة والالتزام بمواعيد التوريد، إضافة لبذل ما يلزم لزيادة الكميات المُصدرة، وبالتالي تخفيض تكاليف الشحن.

استثمار الصادرات
تنحصر قابلية تصدير المنتج للخارج ضمن قاعدة العرض والطلب، وهو ما تعمل عليه وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وفق خطتها القائمة بشكل رئيس على التركيز والوصول للأسواق الخارجية بدعم الصادرات التي تحمل قيماً مالية مرتفعة، وفق تصريح مديرة السياسات الاقتصادية في الوزارة غالية عبيد، التي أكدت في حديثها لـ”تشرين” أن الهدف من هذه السياسات هو التخفيف ما أمكن من عجز الميزان التجاري وتحقيق موارد أعلى من القطع الأجنبي.

عفيف: المشكلة اليوم في اللجوء لإدارة القلّة لا الوفرة

تقديم الحوافز لبعض المنتجات المحددة التي تمتلك سورية فائضاً منها هو ضمن خطة الوزارة، يضاف لذلك دعم أجور الشحن للصناعات المُعدة للتصدير ومنها الصناعات الزراعية الفائضة، وفق عبيد، فيما لتعزيز وصول المنتج للخارج ضمن مشاركات خاصة في المعارض الداخلية والخارجية واستثمار ملفات التعاون الدولي لمصلحة تسليط الضوء على المُنتَج السوري وما يتمتع به من ميزات نسبية، الدور الأكبر في تدعيمه أيضاً.
ولتنشيط العملية الاستثمارية ولاسيّما الإنتاج الزراعي الدور الأكبر في خطة الوزارة لارتباطه بموضوع الأمن الغذائي، وذلك بالاستناد إلى منهجية الميزات والحوافز التي يقدمها قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021 لمشاريع الإنتاج والتصنيع الزراعي، حيث تم منح تخفيض ضريبي لهذه المشروعات بنسبة 100% بشكل دائم لمشروعات الإنتاج الزراعي والحيواني و75% لمدة 10 سنوات للمشروعات الصناعية التي تصدر 50% فأكثر من طاقتها الإنتاجية و50% لمدة 10 سنوات لمشروعات التصنيع الزراعي والحيواني ولمنشآت فرز وتوضيب المنتجات الزراعية، إضافة إلى العديد من الحوافز الجمركية وغير الجمركية.
ميزات تصديرية
كما تشمل الحوافز والمزايا ما يقدمه برنامج إحلال بدائل المستوردات حسب تصريح عبيد لـ«تشرين»، حيث تم تشميل أكثر من 71 مادة وقطاعاً ومن ضمن المواد والقطاعات التي تم تشميلها وترتبط بالتصنيع الزراعي (الذرة الصفراء العلفية، بذور الصويا، السمسم، البذور الزراعية، الجرارات الزراعية، المبيدات واللقاحات البيطرية، مستلزمات الري الحديث).

عبيد: هيكليّة الصادرات مرتبطة بطبيعة الأسواق الخارجية

وندعم التصدير لتخفيف العجز في الميزان التجاري

ويتكامل مشروع إحلال بدائل المستوردات مع برنامج دعم أسعار الفائدة بتخفيض أعباء وتكاليف الحصول على التمويل، حيث تتحمل الدولة نسبة 7% من سعر الفائدة المحدد على القروض، حيث بلغ عدد البرامج الفرعية المُستهدفة 38 برنامجاً، ومن ضمن المواد والقطاعات التي تم تشميلها وترتبط بالتصنيع الزراعي (إقامة وتشغيل معامل لإنتاج مستلزمات الري الحديث – ترميم وإعادة تشغيل المعامل المتضررة لصناعة الأسمدة- إنشاء مشروعات لإنتاج عصائر/مكثفات طبيعية من عصير الحمضيات والفواكه المنتجة محلياً والتي لا تستخدم مكثفات مستوردة في منتجاتها – إقامة محطات إكثار بذار الخضراوات وإقامة مخابر إكثار بذار الفطر الزراعي).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟