هشام شربتجي زارع الضحكة وراصد تحولات مجتمعنا
تشرين- نضال بشارة:
رغم رحيل المخرج هشام شربتجي جسداً، الأسبوع المنصرم، إلاّ أن طبيعة الفن الخالدة برسالته تأكدت بمصادفة عرض مسلسلين له تجري حلقاتهما على الفضائية السورية وسورية دراما، وهما ” أنت عمري” و ” المفتاح”، الأول يعود إنتاجه لعام 2001، والثاني لعام 2012 ، ما يؤكد أن المنجز الفني للراحل باقٍ رغم انتقاله للفضاء الأزرق.
من نسيج أيقونته
كان الراحل شربتجي قد نسج من ذاته الإبداعية أيقونة مهمة وفريدة في عالم الكوميديا منذ ما قبل الإنتاج الدرامي التلفزيوني الذي بدأ يتضاعف شيئاً فشيئاً، كان قد بدأ بنسجها في عالم الإذاعة، وقت كانت الناس تجد فيها سلوتها وأنسها، ولعله أول من أنجز في التلفزيون إخراجاً ما يصطلح عليه بالـ ” سيت كوم” من خلال مسلسل ” عيلة خمس نجوم”، ثم كرسها في أجزاء، منفصلة، ومتصلة أيضاً، بقالبها الفني، ورسائلها الانتقادية الموشّاة بروح كوميدية يعتمد أغلبها على الكوميديا الحركية التي بالغ فيها أحياناً حدّ التهريج، لكنها ظلت سمة لأعماله وحده، وكان سابقاً قد أنجز لازمة فنية جميلة كررها في معظم أعماله الكوميدية، وهي توجّه الممثل أو الممثلة لمخاطبة الجمهور عبر الكاميرا، أو مخاطبة الفنيين أو حتى المخرج ذاته أحياناً، وكان بطلها الأول الفنان ياسر العظمة في سلسلة “مرايا”، ثم أيمن زيدان في أكثر من عمل: “بطل من هذا الزمان” و”يوميات مدير عام”و “جميل وهناء”، ثم سامية الجزائري، وآخرين، في الكثير من أعماله التي لا يُملُّ من مشاهدتها. وفي الوقت ذاته اعتنى بـ “شارة المسلسل” من الناحيتين البصرية والأغنية المرافقة لها لتكون أقرب للوحة فنية يمكن مشاهدتها وحدها، ويستطيع المشاهد أن يعرف اسم المسلسل ما أن يسمع عن بعد أغنيته فتقبض عليه تشوّقاً للمتابعة.
مساحات وإمتاع
ولم يُعرف عنه اهتمامه بممثل كما عرف اهتمامه بالممثل باسل خياط إذ أطلقه في مسلسل (أسرار المدينة) وإن كان قد عمل باسل معه سابقاً في (مرايا)، سواء كانت يد الاكتشاف تلك للفنان ياسر العظمة أم كانت له، ثم تحيّز له في أعمال أخرى. ومن نسيج أيقونة الراحل شربتجي أيضاً، أنه قدّم لنا العديد من الممثلين والممثلات في أعماله الكوميدية وكنا لا نتوقع تقديمهم هذا النوع، كالفنانين الراحلين خالد تاجا وبسام لطفي، ومع الأسف لم يؤمن، في حدود ما تسعفني ذاكرتي، بقدراتهما الكوميدية أحد آخر من المخرجين كما فعل الراحل شربتجي، فأظهر لنا المساحات الإبداعية للراحلين تاجا ولطفي، وأمتعانا كمشاهدين، بنكهة خاصة، إلى درجة ما زلنا نستحضر حركة انزلاق تاجا عن كرسيه في (يوميات مدير عام)، ونستخدم لازمة بسام لطفي في (بطل من هذا الزمان)، وهي ” انتهت المقابلة”.. ومن دون أن ننسى أن ما أمتعتنا به السيدة سامية الجزائري يعود له وحده الذي كان يعطيها كل المساحة للعب الفني في تأدية شخصياتها حتى أمست أيقونة لا شبيه لها في الأداء الكوميدي.
رياح الخماسين
لم يأسر الفنان الراحل شربتجي ذاته الإبداعية في أعمال كوميدية بل قدّم أعمالاً اجتماعية مهمة جداً منذ ” أيامنا الحلوة” عام 2003 للكاتبين حسن سامي اليوسف ونجيب نصير، الذي عالج فيه وطأة الواقع الاقتصادي وسطوته، وتجليات ذلك في الواقع الاجتماعي، ودقّ ناقوس الخطر الناجم عن عدم عدالة توزيع الثروة على أبناء الوطن، الذي ينذر بتفكك بنية المجتمع وانهيار علاقاته. مروراً بمسلسل (رياح الخماسين) عام 2008 ، للكاتب أسامة إبراهيم، الذي سلط الضوء على معالم مجتمعنا اقتصادياً وسياسياً، من خلال شخصية سجين رأي أفرج عنه بعد 15 سنة، وكانت المرة الأولى التي تأخذ مثل هذه الشخصية مساحة رئيسة في عمل درامي، جسّدت فيه حراستها للقيم المعنوية، فأرادت إحياء ما هو جميل في قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وسلوكنا في مواجهة صعاب الحياة وبناء المجتمع. وكان عمله (المفتاح) للكاتب خالد خليفة، مسلسلاً مهماً جداً في تناوله لتأثيرات الفساد الذي نخر عظام المجتمع بطبقاته كافة، فانتقد أحد كبار المتنفّذين وسطوته الاقتصادية والاجتماعية، وتجليات ذلك على بقية جوانب الحياة، خاصة بعض رجال القانون وكيفية تجاوزهم للقوانين. فكانت ثلاثة مسلسلات، بل ثلاث محطات أساسية في مسيرته الإبداعية، ومفصلية فيما تناولته وعالجته، تفسح المجال للدارسين لها لتلمس أهم ما أصاب المجتمع السوري من تحولات في العقود الأخيرة لما قبل الحرب.