«عبد الرحمن مؤقت».. الفنان الذي صنع للنحت السوريّ حكايةً ضاهت العالم

تشرين- سامر الشغري:
إذا كان النحت السوري قد قارب نظيره في العالم، وأعماله استطاعت منافسة ما صنعه عتاولة هذا الفن الصعب والساحر، فإن للفنان عبد الرحمن مؤقت – الذي رحل عن دنيانا مؤخراً- دور مؤثر في ذلك، إذ كانت أعماله أحد المداميك التي بلغ من خلالها فن النحت لدينا الذرا.. لأننا نلمس فيما تركه لنا مؤقت من أعمال روح التحدي والإبداع الفردي، على صعيد الروح والشكل والمعالجة والمضمون، فلم يشبه أحداً ولم يتطلع إلى تقليد من سبقوه، بل كان جل عمله منصباً على تحقيق الإبهار والفخامة واستخراج صيحة الإعجاب من المشاهد العادي والدارس.
انتمى الراحل لأسرة كان يعمل أفرادها ميقاتيين في الجامع الأموي بحلب، فهو لم ينشأ ضمن عائلة فنية ، لذلك نجده يؤمن بأن «الفن منحة يعطيها الخالق للإنسان الذي يجب عليه أن يعبّر عنها بالموهبة والثقافة والمعرفة وأن يصونها ويرعاها ويطورها».
تباشير الموهبة عند مؤقت ظهرت في المرحلة الابتدائية، فأغرم وهو صغير باللعب في المعجون، فكان يصنع منه حروف الأبجدية وأشكالا تحاكي كل حرف، وعندما وجد قطعة حجرية قرب مدرسته «غرناطة» في حي الزبدية بحلب، اصطحبها إلى البيت، وحولها إلى منحوتة لوحيد القرن.
دراسته في دار المعلمين ساعدته على تطوير موهبته، فشارك في المعارض السنوية التي كانت تنظمها الدار، وفي سنته الأخيرة قدم 24 لوحة زيتية و12 عملاً نحتياً، إذ قال عن هذا النشاط المحموم «في كل ليلة كنت أنجز عملاً من الطين وفي اليوم التالي كنت أقوم بتفكيكه وأصوغ منه عملاً جديداً».. مؤقت الذي شجعه ثناء أساتذته وزملائه له على الاستمرار في النحت، مال إلى المدرستين الكلاسيكية والتعبيرية وبعض الدراسات التشريحية، ونمى قدراته من خلال مطالعاته لكتب الفن وتقليد أعمال نحاتين عالميين، ولاسيما مايكل أنجلو، خاصة بعد أن شاهد أعماله في إيطاليا، وأثارت اهتمامه صياغته للعضلة بطريقة خاصة.
وحين التحق مؤقت بخدمة العلم أواخر الستينيات أتيحت له فرصة إنجاز منحوتات طيارين لعدد من الشهداء الطيارين الذين ارتقوا خلال نكسة حزيران 1967، فظهر اعتماده على التبسيط والتلخيص وتجنب المباشرة، وترك الفرصة لتوليد الصورة في المخيلة.
كان أول معرض فردي لمؤقت في تشرين الأول من سنة 1971 الذي شكل وفقاً له انطلاقاً لتجربته الفنية، لأنه جاء نتيجة كل بحوثه السابقة ومهاراته الفنية التي اكتسبها وباعثاً مهماً لمتابعة مسيرته، ولكنه قدم تجربة مختلفة مع معرضه الثاني الذي أقيم في حديقة السبيل في حلب 1973، فكانت كل منحوتات المعرض حجرية، وقد لفتت وقتها ناقداً بمستوى طارق الشريف وخاصة في تركيزه على التوازن بين الكتلة والفراغ.
وحين سئل مؤقت لاحقاً عن سبب إصراره على التوازن قال «سعيت عبر تجربتي النحتية إلى مسألتين هما جمال الكتلة النحتية والتعبير عن القيم الإنسانية بمختلف مستوياتها، فكان العمل الواحد لدي يجمع التشخيص والتجري، لذلك كان لابد لي من اللجوء إلى التوازن»، ولكن العلاقة عنده بين الكتلة والفراغ اختلفت من خامة لأخرى بين البرونز والحجر والطين والمرمر والجبصين.
مؤقت الذي أبدع أعماله بوحي من مشاعره الإنسانية كإحدى خصوصيات عمله، أعجب بتجارب نحاتين عرب من المصري محمود مختار وتأثره بالنحت الفرعوني وخاصة الجداريات والعراقي جواد سليم وأعماله المستندة إلى الفن الرافدي.. النقلة التالية المهمة في مسيرة مؤقت كانت سنة 1980 عندما سافر إلى روما ليلتحق بأكاديمية الفنون, ليتعرف على طريقة تفكير أساتذة الكلية وطلابها والتجربة التي يخوضونها، فزار المتاحف، وشاهد ما فيها من أعمال، واطلع على صالات العرض وورشات النحت لإغناء معرفته بأمور لا تتوافر في وطنه الأم.. وفي الأكاديمية الإيطالية اطلع أحد أساتذتها النحات فريني على إمكانات مؤقت، ووجد أن طالبه السوري لا يحتاج الدراسة، بل طلب منه أن يلتفت أكثر إلى الفن السوري القديم لأنه ملهم للفنانين الأوروبيين.

وبعد عودته من إيطاليا انهمك في العديد من الأعمال، نجد بينها عدداً غزيراً من المنحوتات الصغيرة، ولكن الأهم منها أعماله النصبية وأبرزها العمل الذي أنجزه سنة 1984 في ساحة سعد الله الجابري في حلب، وحمل اسم نصب الشهداء، وكان مجموعة كتل حجرية يقارب حجمها /30/ متراً مكعباً ووزنها /100/ طن من مادة الحجر الأصفر، ونفذها بأدوات يدوية تركت أثرها على المادة، وهذا أعده أفضل، فلم يجعل ملمسها ناعماً حتى يحافظ على جماليتها.. ولدى مؤقت عمل آخر باهر وهو النصب البرونزي لمطار حلب الدولي، وهو عمل تركيبي معقد غني بالرموز بعضها جاء به من التراث كالقوس والمحراب، وآخر كوني، وهو الكرة الأرضية أو من الكائنات وهو سرب الطيور، مع توظيف تعبيري مبتكر للزخارف العربية.. ومن أعماله المهمة أيضاً نصب الباسل الذي اختار له لحظة لافتة، وهي عندما يستعد الفرس لاجتياز الحاجز لتمثل ذروة التحفز والتركيز للانطلاق. ولعل وصف مؤقت بأنه من أهم وأبرز النحاتين السوريين الذي أطلقه عليه ناقد حصيف ونحات متمكن هو الدكتور محمود شاهين، هو خير ما يختزل تجربة فنان أطلق العنان لموهبته ثم روضها وجعل منها مطية أوصلته إلى أن يكون في الصدارة وصاحب قصب السبق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟