آلاف الدونمات استصلحها المزارعون منذ أربعينيات القرن الماضي وعصمتها لا تزال باسم وزارة الزراعة

تشرين – طلال الكفيري:
لا يزال مئات المزارعين في قرى ” سالة والحقف والسالمية ونمرة ورشيدة” بالسويداء، تائهين بين أروقة دوائر “الزراعة” والمصالح العقارية، للبحث عن إيجاد نافذة قانونية تعيد لهم حقهم الفلاحيّ المفقود في آلاف الدونمات الزراعية المسجّلة، وبغفلة منهم منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أملاك دولة من فِرق المساحة، التي قامت حينها بأعمال تحديد وتحرير لأراضي هذه القرى الزراعية.

ملك لهم حرام عليهم
استثمار هؤلاء الفلاحين لأراضيهم الزراعية، حراثة وزراعة منذ أكثر من سبعين عاماً، لم يشفع لهم – حسب من التقتهم ” تشرين” – عند وزارة الزراعة التي تعدّ الحاضن الأساسي للزراعة والمزارعين للخروج من روتينها، وبالتالي تسجيل هذه الأراضي باسم من حرثها وزرعها، وحوّلها من بائرة إلى منتجة ومشجّرة، لتبقى هذه الأرض ملكاً لهم استثمارياً، إلا أنها ما زالت محرّمة عليهم بيعاً وتصرفاً حتى تاريخه، ما أوقعهم في مصيدة أجور بدل المثل التي أرهقت كاهلهم .

الأراضي موروثة لهم أباً عن جدّ ومقسّمة فيما بينهم رضائيّاً

ويستمرّ السجال
مشكلة أراضي أملاك الدولة وسجالاتها غير المنتهية البداية من قرية سالة، التي فتح سجلها الخلافي – حسب مزارعي القرية – مع صدور المرسوم التشريعي رقم 64 لعام 1969 الحامل في مضامينه مادة، مفادها توزيع أراضي ظهر الجبل التابعة لمدينة السويداء على مزارعي المدينة حصراً, وخاصة المشمولين منهم بالقسمة الرضائية المعمول بها عام 1947 وهنا يكمن مربط الفرس، حيث تم احتساب أراضي قرية سالة، رغم وقوعها خارج الحدود الإدارية لمدينة السويداء، وتابعة إدارياً لمنطقة ظهر الجبل، ومع ذلك تم استبعادها من هذا التوزيع، لكون لجنة توزيع الأراضي المشكّلة لهذه الغاية اعتمدت مخططاً للحدود الخارجية لمنطقة ظهر الجبل، إذ أُعلن هذا المخطط ضمن مدينة السويداء ولم يعلن في قرية سالة، الأمر الذي استغلّته اللجنة وقامت بتسجيل هذه الأراضي أملاك دولة، ما حرم مالكيها منها، ليبقى السجال قائماً بين المزارعين ومديرية المصالح العقارية “دائرة المساحة”، لكونها كانت تتبع لوزارة الزراعة حينها، من دون فائدة، رغم تلقي أهالي القرية وعوداً من لجنة توزيع الأراضي بفتح أعمال تحديد وتحرير جديدة للمنطقة، إلا أن الواقع لم يتغيّر، بل فرضَ على الفلاحين أجور بدل مثل من وزارة الزراعة وصلت لملايين الليرات، لكونها اعتبرتهم بمنزلة واضعي اليد على هذه العقارات .
وأضافوا: إن تسجيل هذه العقارات أملاك دولة لم يكن منصفاً، لكون استخدامهم لهذه الأراضي جاء قبل صدور قانون أملاك الدولة رقم 252 لعام 1959، مع العلم أن هذه العقارات كانت وما زالت تزرع بالأشجار المثمرة حتى تاريخه، ولاسيما التفاح.

ملكٌ لهم استثماراً.. حرامٌ عليهم تصرفاً وبيعاً

ولمزارعي قرية نمرة نصيب
ملفّ الأراضي المسجّلة أملاك دولة منذ تسعينيات القرن الماضي لم يقتصر على أهالي قرية سالة، فها هم مزارعو قرية نمرة يشربون من الكأس نفسها، إذ يشيرون إلى أن استخدامهم لأراضيهم الزراعية البالغة 4 آلاف دونم أبصر النور منذ ثمانينيات القرن الماضي، من خلال زراعتها بالأشجار المثمرة، وهذا ما أثبتته اللجان الفنية أثناء كشفها الحسّي على تلك الأراضي، ومع ذلك ما زالت عصمة ملكيتها باسم وزارة الزراعة، من جراء قيام فرقة المساحة التي أجرت أعمال التحديد والتحرير في القرية بتسعينيات القرن الماضي بتسجيلها أملاك دولة، علماً أن إبقاءها على سجلات أملاك الدولة ألزم المزارعين أولاً بدفع أجور بدل مثل لدائرة أملاك الدولة، وبالتالي حرمهم من التصرف بالأرض تصرف المالك بملكه، والأهم حرمانهم من تعويضات الأشجار المثمرة وكل مستلزمات الإنتاج الزراعي، أضف إلى ذلك أن عدم منحهم سندات تمليك بتلك الدونمات الموروثة لهم أباً عن جدّ أعطى مديرية الخدمات الفنية في السويداء ذريعة بعدم شقّ طرق زراعية ” نارية” تُخدّم تلك الأراضي، علماً أن تنفيذ هذه الطرق ضرورة مُلحة ومُستعجلة، لكونها على واقعها الحالي يتعذّر وصول سيارات الإطفاء إليها، إذ تغلب عليها الطبيعة الجبلية.

رحلة ماراثونية
يبدو أن ملف أراضي أملاك الدولة والسجالات الدائرة بين الفلاحين المتمسكين بأحقيتهم بهذه العقارات الموروثة لهم منذ عشرات السنين ووزارة الزراعة المتمسكة هي الأخرى بهذه الأراضي كأملاك دولة لا يزال مفتوحاً، لينضم إليه أيضاً فلاحو الحقف والسالمية الذين أكدوا أن أراضيهم البالغة 6 آلاف دونم سُجلت أملاك دولة من دون وجه حقّ، لكونها موروثة لهم أباً عن جدّ منذ خمسينيات القرن الماضي، نتيجة للقسمة الفلاحية التي كان معمولاً بها في ذلك الحين في جميع قرى المحافظة، إلا أن هذه القسمة وللأسف أذرتها الرياح وباتت من الماضي بعد أعمال التحديد والتحرير التي أجرتها فرقة المساحة في تسعينيات القرن الماضي، حيث نتج عنها تسجيل تلك الدونمات أملاك دولة، من دون الأخذ بالحسبان جهود الفلاحين المبذولة لتحويل الأرض البائرة إلى أراضٍ منتجة، ما حرمهم من ملكيتها، ليبقى استخدامهم لها خاضعاً لأجور بدل المثل، ما رتّب عليهم رسوماً مالية كبيرة، باتوا عاجزين عن تسديدها.

أجور بدل المثل أثقلت كاهل الفلاحين

ويتساءل الفلاحون: هل يُعقل أنه بعد استثمارهم للأرض فلاحة وزراعة، والتصرف بها تصرف المالك بملكه لأكثر من خمسين عاماً، وهي الفترة الممتدة بين استخدام الأرض ومجيء فرقة المساحة، أن تسجل وبجرّة قلم ” أملاك دولة”؟
والمسألة التي لا بد من الإشارة إليها هي أن معظم الفلاحين، إن لم نقل جميعهم، سبق أن حصلوا على قروض من المصرف الزراعي وفق سند الملكية الذي بحوزتهم ١٦٠ سجل / ٧/ إلا أن وزارة الزراعة باعتبار المصالح العقارية كانت تتبع لها حينها أعدّتها سند تصرّف، لتصبح الملكية الممنوحة لهم بموجبه ملغاة بعد أعمال التحديد والتحرير تلك.

رحلة إثبات الملكية لم تنتهِ
من الواضح بعد مضي عشرات السنين على تسجيل آلاف الدونمات أملاك دولة من فرق المساحة، إلا أن رحلة إثبات الملكية من مزارعي هذه القرى لم تنتهِ لتشمل فلاحي قرية الرشيدي الذين ما زالوا تائهين هنا وهناك لإعادة حقهم الشرعي والقانوني المفقود بهذه الأراضي البالغة نحو 10 آلاف دونم ، ولاسيما بعد أن سُحبت ملكيتها من الفلاحين لمصلحة وزارة الزراعة،
ويضيف المزارعون: إن هذه الأراضي كانت تزرع فيما مضى بالمحاصيل الحقلية، فواقع الزراعة والملكية لم يتبدل أو يتغير على ساحة القرية إلى حين قدوم فرقة المساحة إلى القرية عام 1988 والبدء بأعمال التحديد والتحرير لأراضيها، وهنا كانت نقطة بدء السجال بين وزارة الزراعة والفلاحين، ولاسيما بعد أن قامت هذه الفرقة بتسجيل هذه الدونمات أملاك دولة، رغم أن هذه العقارات -حسب المزارعين طبعاً – تم شراؤها وفق حجج كان معمولاً بها حينها، إلا أن هذه العقارات ما زالت في متناول أيديهم زراعياً ولتبقى أجور بدل المثل مفروضة عليهم، إضافة إلى عدم قدرتهم على التصرف بها تصرف المالك في أرضه، علماً أن تقارير الخبراء المسّاحين تؤكد أن هذه العقارات تم استصلاحها بالكامل، وأن نسبة الوعورة فيها لا تتجاوز 13%، علماً أن قانون أملاك الدولة رقم 252 لعام 1959 تضمّن أن العقارات التي تزيد نسبة الوعورة فيها على 50% هي التي تسجّل أملاك دولة.

ماذا يقول المعنيّون؟
رئيس دائرة المساحة في مديرية المصالح العقارية بالسويداء المهندس رفيق الجماعي أوضح لـ” تشرين” أن هذه العقارات سُجّلت أملاك دولة من فرق المساحة التي قامت بأعمال التحديد والتحرير في القرى المذكورة آنفاً، حيث مضت على هذا التسجيل سنوات، وكان يفترض بمزارعي هذه القرى حينها الاعتراض على هذا التسجيل، مضيفاً: من غير الممكن إعادة أعمال التحديد والتحرير مجدداً في هذه القرى، وعلى المزارعين اللجوء إلى القضاء لإثبات حقهم.
وفي تصريح مماثل أوضح مدير زراعة السويداء المهندس أيهم حامد أن هذه العقارات سجّلتها فرق المساحة أثناء قيامها بأعمالها المساحية في هذه القرى، أملاك دولة، وإثبات ملكيتها للفلاحين هو موضوع قضائي بالمطلق، مضيفاً: ما دام القضاء لم يبت بهذه الملكية فستبقى أجور بدل المثل مفروضة على واضعي اليد.

أخيراً
من الواضح تماماً أن إثبات ملكية هذه الدونمات سيبقى، من دون أدنى شك، العنوان الأبرز لمزارعي المحافظة، ولاسيما أن هناك قرى أخرى غارقة في المستنقع نفسه، لذلك على الجهات المسؤولة النظر في هذه القضية التي تشمل قرى كثيرة تضرر مزارعوها منذ عشرات السنين.
وفي النهاية، الأرض لمن يعمل فيها، ولاسيما أنهم استصلحوا الأراضي واستثمروها وأقاموا عليها المشروعات، من خلال القروض الزراعية التي تمنحها الدولة للفلاحين بغية مساعدتهم وتثبيتهم في أراضيهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار