في غُرفِهن.. أسامة دياب يترصّد حوّاء وإيفا وأشياءهن الخاصّة

تشرين- لبنى شاكر:
يَستعير أسامة دياب اسماً لِأُمنا الأولى «حوّاء/ إيفا»، دلالةً على استمراريةٍ يضمها معرضه الفردي التاسع، المُفتتح مُؤخراً في صالة عشتار؛ اشتغالٌ قديم، لطالما كان حاضراً في أعماله، وإن اختلفت زوايا الرؤية والطرح، مع تباين زمن العرض وفكرته العامة، كانت الأنثى خلاله عالماً بَحَثَ فيه، كما فعلَ مثلاً في معرضه الخامس «رماد مُلوّن»، والمرأة محورٌ رئيس فيه، حتى إنه في حالة الثنائيات مع الرجل، عدّه كومبارساً غير فعّال، كذلك غَلبَ الحضور النسائي على لوحاته في معرضه السابع «7 وخمسون»، مُتكئاً على الأزياء وعواطف الجسد.
في المعرض الحالي «إيفا2- بورتريه»، تأتي الاستمرارية لتتجاوز فكرة البحث نحو تقديم نتاجٍ مُكتمل، بيّنٍ وجَلي، وعلى أن دياب يرى في لوحاته الثلاث والعشرين من القياسين المتوسط والصغير، تطوّراً طَال التكنيك وآلية العمل عموماً، لكن اجتهاداً ملموساً على الموضوع لا يُمكن تجاهله أيضاً، ولهذا ربما كان العنوان المُكوّن من شقين خياراً فَرضَ نفسه، فهو يُفرد الحيز كاملاً للأنثى، ويقترب أكثر من الجسد بما فيه من تعابير وإيحاءات، فيرسم الجزء العلوي منه مرات ويتناول مقطعاً كاملاً للجذع مراتٍ أخرى، مُتجاوزاً المعنى التقليدي للبورتريه حسبما يخدم فكرته.
يقتحم دياب المساحات الخاصة للنساء، مُحاولاً القبض عليهن متلبسات بدمعة أو ابتسامة والكثير من ردّات الفعل الحقيقية، في غرف النوم وأمام المرآة وخلف الشباك، دونما خوفٍ من رقيب أو مُتلصص، فيترصد عروساً في فستانها الأبيض قبالة مرآتها، قبل أن تُغادر بيتها الأول وربما حين دخلت بيتها الجديد أول مرّة، وفي المكان ذاته يرقب فتاةً تتحاشى النظر إلى مرآتها، وأخرى ساهمة تنتظر، ورابعة تتأمل، وهناك من تقرأ وتتمنى وتضع يدها على قلبها، وغيرهن تستسلم لريحٍ ما وغيابٍ مُوجع.
الصمت عندما يكون الكلام بلا معنى حالةٌ تشي بها اللوحات عموماً، فالأنثى الحاضرة في زواياها المحببة إلى جانب إكسسواراتها وقطتها وثيابها، تُمارس يومياتها المعتادة، تنتظر زوجاً أو أباً، تسقي ورودها، تتأمل الشارع من نافذتها، لذا لا حاجة لاستجداء الاهتمام ولفت النظر أو حتى ادعاء الأهمية، وهنا إن صح التعبير تبدو الأشياء كما رسمها دياب، صادقة، بسيطة، وادعة، مُطمئنة، أبعد ما تكون عن التصنّع في المُعلن والمخفي.
يرفض التشكيلي انتزاع المرأة من عالمها كما فعل فنانون وأدباء عن غير قصد، تعاطوا معها ككائنٍ منفصل عما حوله، في حين أن الشراكة والانتماء اللذين تعيشهما الأنثى مع محيطها بشخوصه وأشيائه، ليس إلا الحياة في معناها الأبسط والأقوى، من هنا كانت حوّاء دياب جزءاً مما هو أوسع، ولذلك رسمها مع شالها ومزهريتها ومدينتها، في العمق الخاص بها ومع أشيائها اليومية القريبة، وفي جميعها مشاعر ومعانٍ وحكايات أبعد من الشكل الظاهر، حاول إخراجها للمتلقي.
يستخدم دياب الألوان الزيتية «أحباراً وإكريليك»، ويُقدّم مزيجاً لونياً بعيداً عن أي صخبٍ أو بهرجة، وكالعادة في أعماله يظهر الرمادي في معظم السطوح إشارة إلى حياديةٍ لا تلبث أن تتراجع لمصلحة مفرداتٍ تقولها ألوانٌ أخرى، كما في الإطار الأسود للمرآة الرمادية، والأصفر للورد على حافة النافذة في فضاءٍ رمادي بعيد، كذلك يحتل الرمادي خلفية اللوحة حيث الأنثى والمدينة تشتركان في تدرجات البني.
اللافت في تجربة أسامة دياب غزارة إنتاجه الذي لم تمنع ظروف الحرب استمراريته في وقت انكفأ فيه آخرون عن العمل، قبل أعوام، وهو ما ينسحب على يومياته اللاحقة، حتى إن الرسم يكاد يكون مُعادلاً للحياة عنده، فهو قبل أي شيء بحثٌ دائم في الذات والآخر، ومحاولاتٌ مُتواصلة للتجديد والإبداع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
1200 فيلم وسيناريو تقدّم للمشاركة في مهرجان كوثر الدولي السينمائي في إيران "الزراعة" تناقش الخطة الزراعية المقبلة: وضع رقم إحصائي ومراجعة بروتوكول إنتاج بذار القمح والترقيم الإلكتروني لقطيع الثروة الحيوانية برنامج ماجستير تأهيل وتخصص في التنمية المجتمعية بالتعاون بين الجامعة الافتراضية السورية ومؤسسة التميز التنموية إطلاق أول اجتماع لشرح آليات تنفيذ دليل التنمية الريفية المتكاملة في طرطوس وزارة الداخلية تنفي ما يتم تداوله حول حدوث حالات خطف لأشخاص في محلة الميدان بدمشق على خلفية مشكلة خدمة دفع الفواتير عبر الشركة السورية للمدفوعات.. "العقاري": السبب تقطع في خطوط الاتصال وتم الحل المشهد الأميركي- الانتخابي والسياسي- يتخذ مساراً تصاعدياً بعد محاولة اغتيال ترامب.. لماذا إقحام إيران؟.. بايدن يُمهد لانسحاب تكتيكي ويلمح إلى هاريس كـ«رئيسة رائعة» أول تجربة روسية للتحكم بالمسيرات عبر الأقمار الصناعية تربية دمشق استقبلت نحو 17 ألف اعتراض 42 ضابطة مائية في دمشق.. والمياه تسرح لغسيل السيارات وتبريد الشوارع!