(جكر خوين) في مختاراته: لتمت كلّ الحروب
تشرين- راوية زاهر:
(مختارات للشاعر جكر خوين) الصّادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب بترجمة لإدريس مراد، باعتبار المختارت في الأساس باللغة الكردية، وهي سبعة وعشرون نصّاً.. وقد عُرف (جكر خوين) بعدائه للتّخلف والإقطاع والاستعمار، ورافضاً الحرب، مطالباً بالسلام، ومجسداً بإبداعه ونظرته التقدميّة تنوّعاً ثقافيّاً ولغويّاً ثرياً في عالم الثقافة الوطنية السوريّة.. ومن صور وقوفه ضد الإقطاع، ما جسدّه في قصيدة «البيك العدو» التي افتتح بها المترجم الكتاب:
«بيك.. متعلم.. أفندي،
يحملُ شهادات عليا… حقوق… وغيرها،
ليس قرويّاً، ولا حكيماً..
كلها محاصيل القرى
بالله قلْ من البيك؟!
إنه حارس للعدو
يأكلُ مال الفقراء والمساكين.»
و(البيك) رتبة كان العثمانيون يمنحونها لأذنابهم، كما رفض (جكر خوين) الحرب، ورفض حلف الناتو، وقال قصائد كثيرة تندد به وبقادته، ووقف ضد الاحتلال الأمريكي لكوريا، وكان دائماً مع نضال الشعب الفييتنامي ضد الاستعمار الفرنسي، وقد وقف مندداً بقصف الأمريكان لـ«ناغازاكي وهيروشيما» المدينتين اليابانيتين بالقنابل النووية:
«لا نريد الحرب،
فلتمتْ كلّ الحروب..
لا يُخيفنا الصّراخ والأصوات..
إن كنتم تريدون السلم في
العالم؟
اخرجوا جميعاً من كوريا
كلنا إخوة وأصدقاء
ماذا يريد السّيد ترومان؟!
مئات المدافع وآلاف الطلقات.»
تنوّع نتاج جكر خوين الأدبي، فزخرت قصائده إضافة إلى همّه العام بقصائد وجدانية تنضحُ بالحبّ والعشق، وذلك في استحضاره للشّعراء المحبين وفيض عشقهم، وبدعوة راقية للحبّ نادانا لنكون عاشقين:
«كنْ عاشقاً دائماً
ممتعٌ هذا الحبّ،
من دون الحبّ
كيف سنعيش؟
الحبّ لهيب
نارٌ ودفء وقوّة
يشعل قلوب التائقين إليه.»
و(جكر خوين) أيضاً شاعرٌ يساري، ذو عقلية متقدمة فكريّاً على صعيد ثقافته الأم ولاسيما لجهة الوقوف مع العالم الحرّ الذي انشغل فكريّاً وأخلاقياً ولوجستياً بالوقوف ضد عدوه في سبيل الحصول على حريته.
وقد شغل لينين وماركس وستالين قلب جكر خوين حبّاً، ووثّق بحزنٍ جريمة (تل زعتر) في جنوب لبنان، كما وقف مع نضال الشعب الفلسطيني ضدالصهاينة ، وطالب بحرية المرأة، ومساواتها بالرّ جل.
ولجهة (اللغة)؛ فقد أكّد المترجم مراد أن شعر (جكر كوين) ينتمي إلى شعرالتفعيلة والموزون، ولكن بحكم الترجمة تحولت النصوص إلى شعرٍ نثري.. ومن خلال الترجمة أيضاً، كانت اللغة شاعرية في قصائد الحبّ والوجدان، والعاطفة مفعمة وطنية حيناً وإنسانية أحايين أخرى، لغة كانت تزدحم بالصّور والكنايات، وقد حلّقت بجناحين من ريحٍ في عالم المجاز من قبيل:
(زغرد قلب ترومان)، كناية عن الفرح.. (فلتمتْ كلّ الحروب)، استعارة مكنية، (أسراب الطّائرات كنجوم الليل)، تشبيه مجمل في محاولة لإعمال الفكر والخيال.
وأيضاً: (حروبكم شاخت)، (تسممت الأرض)، كلها استعارات مكنية تعطي الحروب والأرض صفات للإنسان.. كما زخر نص الشاعر بأسلوبي الخبر والإنشاء (أيها الساقي): إنشاء نوعه نداء.. (من منحك هذا الحضورالبهي؟) إنشاء نوعه استفهام..(محاصر بجدائل داكنة كثعابين سوداء تتدلى على كتفيها وعينان تطلقان السهام صوب قلبي).. خبر.نوعه ابتدائي.. ومن التقنيات الجمالية التي استخدمها الشاعر تقنية التناص: (أنا في الغزل حائرٌ بها كحيرة الخديوي مع جيشه).. إذ يحيل حيرته في عشقة إلى حيرة الخديوي وهي قصة معروفة.
ليختتم الكتاب بنص تحت عنوان (ربيع القلب):
«كلّ الأيّام بقربك عيد
امنحيني بقربك الأعياد والعافية
لستُ همجيّاً .. بل إنساناً
أنا جكر خوين..
في الصفوف شاعر مثل سيابوش
وفي سماء بلادي نجمة.»..