حلفاء الشرق

ترجمة وتحرير: راشيل الذيب:

شكّلت انطلاقة العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا بغرض محاربة النازية والتطرف نقطة تحول عرّت حقيقة التهويل المستمر بالخطر الروسي «روسوفوبيا» ومحاولات شيطنة روسيا التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وسلطت الضوء على المدافعين الصريحين والجهات الراعية لـ«النيونازية»، كما حددت هذه التغييرات وعمقت الانهيار الحاد في العلاقات بين أوروبا وروسيا، ودفعت الأخيرة للمضي قدماً بسياسة التوجه شرقاً، التي تساعد على دعم الاقتصاد الروسي وتعويض الضرر الناجم عن العقوبات الغربية غير القانونية.

وفي ظل هذه الظروف، أجرت روسيا إعادة توجيه جادة لسياستها الخارجية وعلاقاتها العسكرية والتجارية والاقتصادية، وقوّت ارتباطاتها مع الدول الداعمة للتوجه نحو عالم متعدد الأقطاب، وركزت على إنشاء محاور إقليمية وعالمية مع البلدان الصديقة المجاورة لتزويد الأسواق الخارجية بالمواد الخام والمنتجات المصنعة.

وعلى خلفية التباطؤ الواضح في نظام التجارة الدولي يصبح أمن إمدادات الطاقة مشكلة عالمية تتطلب استجابة مناسبة، وخاصة من «عملاق التصنيع» الصين، ومن المعروف أن سوق الطاقة الصيني يمثل مصدر قلق لجميع الدول المنتجة للنفط، ووفقاً لمحللين من وكالة الطاقة الدولية «IEA»، ستظل الصين، إلى جانب الهند، المحرك الرئيس لنمو الطلب على الذهب الأسود والغاز، على الأقل حتى منتصف عام 2030.

وفي هذا الصدد، اكتسب التعاون بين موسكو وبكين في مجال موارد الطاقة طابعاً استراتيجياً خاصاً، فتم على وجه الخصوص، إطلاق خط أنابيب غاز سيبيريا، الذي عزز أمن الطاقة في الصين ونوّع أسواق الغاز الطبيعي الروسي، وساهم، جنباً إلى جنب مع مشروع «يامال» للغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي، في تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والتكنولوجي بين البلدين، حيث تؤمن روسيا أسواقاً واعدة جديدة لمواردها الطبيعية وتطور البنية التحتية لخطوط الأنابيب، بينما تكتسب الصين مورداً موثوقاً ومستقراً للهيدروكربونات، وتحسن الوضع البيئي في البلاد، وتعزز التنمية لإنتاج الغاز والصناعات الكيميائية والتقنيات ذات الصلة.

وفي الحقيقة، يتماشى التعاون الصيني الروسي في تجارة النفط مع الوقائع الحالية واستراتيجيات تنمية الطاقة في البلدين، فالأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد والتمويل، بل أيضاً بدعم الصين الصديقة في مواجهة التحديات الحديثة من الغرب، ويمكن لخطوات التعاون الثنائي بين البلدين أن تحول الصين في المستقبل القريب إلى مركز رئيس للطاقة الروسية.

هذا، وقد نما تعاون روسيا مع إيران أيضاً في الآونة الأخيرة، ولاسيما في القطاعات العسكرية والصناعية والتجارية والطاقة، وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى التحركات الجادة التي شهدها مشروع الربط الكهربائي بين البلدين من أجل وضعه موضع التنفيذ، حيث إنه سيدعم الاقتصاد الإيراني وسط صعوبة إصلاح قطاع الطاقة في البلاد من جهة، ويسهم في إعادة تصدير الكهرباء الروسية إلى دول أخرى من جهة ثانية.

كما تشير التطورات طويلة المدى إلى نمو نطاق التعاون العسكري والاقتصادي بين موسكو وطهران، فمثلاً يخطط البلدان لتوسيع التجارة الثنائية وإدخال نظام الدفع «مير» للمعاملات التجارية، ومن المتوقع أن يصل حجم التجارة بينهما، والذي بلغ أربعة مليارات دولار في عام 2021، إلى ستة مليارات دولار في المستقبل القريب.

ويبدو أن «التحديات» تجمع إيران وروسيا الآن إذا جاز التعبير، فكلاهما يسعى للالتفاف على العقوبات التي يفرضها الغرب، فيمكن لروسيا على سبيل المثال الانتفاع من قدرة إيران على النجاة من العقوبات الغربية بنجاح كبير على مدى عقود بعد أن طورت شبكة واسعة من الشركات الخارجية لتنفيذ أنشطتها التجارية بعيداً عن أعين منفذي العقوبات الغربيين، كما يمكن للبلدين إدخال تحسينات على طريق التجارة بين الشمال والجنوب لربط الموانئ الجنوبية الإيرانية بروسيا عبر أراضي أذربيجان.

وعليه، فإن قيام روسيا بإنشاء محاور مختلفة مع الدول الصديقة لتصدير الطاقة ومنتجاتها المصنعة إلى السوق الخارجية لن يساهم فقط في التنمية الاقتصادية لهذه البلدان، ولكنه سيقوض أيضاً سياسة العقوبات التي تنتهجها الولايات المتحدة ضد الدول غير الراغبة في الخضوع لإملاءاتها، ما من شأنه أن يؤدي إلى وضع حدّ للهيمنة الأمريكية ومحاولات واشنطن للحفاظ على عالم أحادي القطب.

عن موقعي «نيو إيسترن آوتلوك».. ومركز تحليل السياسة الأوروبية «CEPA».

أقرأ أيضاً:

«ملف تشرين».. أسوأ كوابيس أميركا.. ثالوث استراتيجي غير قابل للصد.. التحالف العملاق.. روسيا – الصين – إيران.. كيف تحققت «نبوءة» بريجنسكي؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار