مواجهةُ أميركا.. التكتل أولاً

تشرين- هبا علي أحمد:

بالنظر إلى فوضى الأحداث على الساحة العالمية، وما يرافقها من تموضعات تحدّد شكل العالم الجديد الذي نسير على خطا تشكله، تصبح الضرورة ملحّة إلى علاقات دولية متشابكة ومشتبكة أكثر من السابق، ولاسيما أن العالم الجديد يتشكل على أنقاض عالم سادته الهيمنة الغربية – الأمريكية، ومازالت تداعياتها ماثلةً إلى الآن، وأفولها النهائي يحتاج بعضاً من الوقت.

العالمُ المرتقب سيغيّر بلا شك الخريطة السياسية، ولاسيما في المحافل الدولية، لأنه لابدّ من أن يقوم على علاقات نديّة ومتوازنة في آنٍ معاً، فلا يمكن إلغاء طرف على حساب الآخر، وإلّا عدنا إلى المربع الأول.. فالعالم الجديد لا يعتمد على العسكرة والحروب وحاملات الطائرات التي تبتعد عن بلدها آلاف الأميال تحت ذرائع واهية، بقدر ما يعتمد على علاقات متوازنة ومتصالحة مع المتغيرات وبنّاءة بالضرورة في مختلف المجالات، وهذه مهمة على ما يبدو تتصدى لها روسيا والصين وإيران كمثلث مبدئي، يسير ليأخذ أشكالاً أكبر وأوسع بانضمام الكثير من الدول التي تؤمن بضرورة التغيير الإيجابي على نحوٍ يخدم قضايا كل دولة، منفردةً ومجتمعةً، في الوقت عينه.

التكتلات التي زاد الحديث عنها في العقد الأخير في ظل التطورات والمتغيّرات الدولية، والتي كانت في طور النشوء والتشكّل، أو في طور التفكير في إقامتها، أصبحت واقعاً ملموساً، وهي التي تكون أو ستكّون العالم الجديد، فلا يمكن أن تتصدّى دولةٌ بمفردها لهذه المهمة، لذلك لابدّ من التكتل والتجمع، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فهذا هو المعنى الحقيقي للتكتل أولاً، وللخروج بعلاقات دولية وإقليمية بنّاءة ثانياً، وما يجري الآن على الساحة الدولية السياسية والدبلوماسية والعسكرية يثبت بلا شك أهمية التكتل وضرورته.

فالتفكير اليوم ينصبّ في كيفية المواجهة وآلياتها المتبعة للانطلاق نحو الأفضل والأسلم والاستفادة مما عايشه العالم من حروبٍ وصراعات انقلبت ويلات على الشعوب، وذاك التفكير لابدّ من أن يقود إلى أهمية التكتل ومدى جدواه.. ويمكن التدليل على ذلك من أرض الأحداث، فنرى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومن دار في فلكهم، إقليمياً ودولياً، يتكتلون لتحقيق مآربهم، وهذا واضح في الأزمة الأوكرانية راهناً الموجّهة ضد روسيا، وفي الحرب على سورية وفي اليمن والعراق وليبيا وفلسطين من خلال الدعم التاريخي المتأصل وغير المحدود لكيان العدو الإسرائيلي الغاصب، في حين تتكتل دول مثل روسيا والصين وإيران للتصدي للهيمنة الغربية، وعياً منها بأن المواجهة تتطلب أداةً وحيدة، وهي التكتل.

قد يتساءل البعض عن أسباب اختلاف التكتلات الجديدة عن سابقاتها، وما فرص وعوامل نجاحها؟

في الحقيقة التكتلات الجديدة ولدت أساساً من مجموعة عوامل ناجحة، أو كرست النجاح على الساحة الدولية، وهذه العوامل دفعت بطبيعتها لهذه التكتلات.. أهم تلك العوامل تراجع المكانة الأمريكية على الساحة الدولية وتسجيلها العديد من الخسائر في مواجهة قوى دولية وازنة كالصين وروسيا وإيران، وهذه لا يعني أن فشل الآخرين أدى إلى نجاح تلك التكتلات، بل الأدق أن تلك التكتلات بعقلانيتها وقوتها معاً وصمودها أيضاً نجحت في المواجهة مع الولايات المتحدة، ولابدّ من أن تستمر في تكتلها.. فروسيا كسرت الشوكة الغربية في أوكرانيا، والصين تمتد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وعلى مرأى من واشنطن، وإيران تلتف على عقوباتها وتستطيع الذهاب إلى ما لا يريده الغرب في حال الموت النهائي للاتفاق النووي– الميّت أساساً- وعلى الساحة العربية لابدّ من أن يؤسس الانتصار السوري لتكتلات إقليمية- عربية تشكل الركيزة الأساس لدعم قضايانا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، على نحوٍ يُفعّل التعاون والتضامن العربي بشكله الأصح والمطلوب.

أيضاً اختلاف التكتلات الجديدة يأتي من منطلقها الأساس وتوجّهاتها القائمة على التعاون وفتح آفاق جديدة في العلاقات بين الدول والسير باستراتيجية محددة تعود بفوائد، في مختلف الصعد، على الجميع وللجميع على حدٍّ سواء، أما التكتلات التي تقودها واشنطن فضيقة العلاقات، وأهدافها التدمير وليس التطوير.

اقرأ أيضاً:

حلفاء الشرق

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار