«ملف تشرين».. أسوأ كوابيس أميركا.. ثالوث استراتيجي غير قابل للصد.. التحالف العملاق.. روسيا – الصين – إيران.. كيف تحققت «نبوءة» بريجنسكي؟

تشرين- مها سلطان:

أسوأ كوابيس أميركا تتحقق.. تماماً كما تنبأ بريجنسكي في كتابه الشهير«رقعة الشطرنج الكبرى» عام 1997 عندما كانت الولايات المتحدة في قمة اطمئنانها إلى زعامتها العالمية، من دون منازع.. وإلى الأبد.

لا شك في أن يوم الأربعاء الماضي، كان من الأيام السيئة جداً بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وهي ترى الرئيس الصيني شي جين بينغ يَحلُّ للمرة الثانية في السعودية «الأولى قبل 6 سنوات» مُعززاً مُكرماً، ثم مُحملاً بمليارات الدولارات إلى بلاده، على عكس الرئيس الأميركي جو بايدن الذي حلّ قبله في السعودية وعاد بخفي حنين.

كان يوماً سيئاً جداً، لكنه لم يكن أسوأ الأيام، فهذه لم تأتِ بعد، وهي آتية بلا شك، أمر باتت الولايات المتحدة متيقنة منه وهي ترى ثالوثاً إستراتيجياً عملاقاً يتشكل بمواجهتها ويضع زعامتها العالمية تحت الضغط وعلى جبهات متعددة في وقت واحد.

الصين، روسيا، إيران.. مثلث دولي صاعد، سبق لبريجنسكي أن تنبأ به وحذر بلاده منه، باعتباره مثلثاً سيستقطب تحالفاً «أورو- آسيوياً» هائلاً في قوته الاقتصادية – البشرية، والعسكرية، وبما يزيح كلياً الزعامة الأميركية إذا لم تلاحقه الولايات المتحدة كظله وتمنعه من التحول إلى أمر واقع.

الأخطر في مثلث روسيا – الصين – إيران أنه لا يفتح جبهات عسكرية، بل جبهات اقتصادية، تعجز الولايات المتحدة عن الرد عليها عسكرياً

” نبوءة” بريجنسكي تكاد تتحقق، الولايات المتحدة ما زالت تسجل فشلاً بمواجهة الصين، روسيا، إيران، لكنها لم ترفع الراية البيضاء بعد.

الشيء المميز في هذا المثلث أنه لا يفتح جبهات عسكرية، بل جبهات اقتصادية، وبما لم تعتد عليه الولايات المتحدة التي اعتمدت نهج العسكرة والحروب للسيطرة والهيمنة ونهب الثروات حول العالم.

لا تستطيع الولايات المتحدة فتح جبهات عسكرية بمواجهة جبهات اقتصادية تفتحها الصين وروسيا وإيران، كيف لها أن ترد عسكرياً على زيارة بينغ للسعودية.. أو على الدول التي حضرت القمتين، الصينية – الخليجية، والصينية – العربية.. أو على اتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي وقعته الصين مع إيران العام الماضي 2021.. كيف ترد عسكرياً على شراكة استراتيجية – اقتصادية – سياسية، تتوسع وتتعمق بين روسيا وإيران، أو بين روسيا والصين، أو إيران والصين.. أو على توجه الهند «ودول أخرى» للانضمام إلى هذا المثلث؟

هنا المعضلة بالنسبة للولايات المتحدة.

بالأرقام.. لنلقي نظرة على مثلث روسيا، الصين، إيران.

– المساحة 29 مليون متر مربع، يقطنه نحو ملياري نسمة، يستحوذ على 29% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يتمتع بالقدرة العسكرية والجهوزية اللازمة لمواجهة أي جبهات عسكرية يمكن أن تفتحها الولايات المتحدة براً وبحراً وجواً، وهو قادر أيضاً على فتح جبهات عسكرية ضدها.. باعتراف أميركي- أطلسي.

– إيران عضو في منظمة شنغهاي وينتظر انضمامها إلى منظمة «بريكس»، والأمر نفسه بالنسبة للسعودية، وفي حال تحقق الانضمام فهذا يعني قوة اقتصادية جغرافية مضاعفة لروسيا والصين، وبما يوازن النظام العالمي، خاصة أن السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم، وهي من ضمن «مجموعة العشرين».. فيما احتياطيات إيران الهائلة من النفط والغاز تجعلها شريكاً استراتيجياً مهماً، لتكون مع السعودية مصدر دعم وقوة ونفوذ لكل من روسيا والصين بمواجهة العقوبات والحرب التجارية الأميركية، روسيا والصين تعملان تماماً وفق القاعدة الأساسية التي تقول:” للاستغناء عن الدولار الأميركي- العملة المهيمنة عالميا – سنحتاج المزيد من الدول المصدرة للسلع الأساسية وخاصة النفط”.

خطة عمل روسيا – الصين: «للاستغناء عن الدولار الأميركي لا بد من استقطاب المزيد من الدول المصدرة للسلع الأساسية وخاصة النفط».

– الصين والسعودية تمتلكان أكبر «كمية نقدية عائمة» في العالم، وبالتالي فإن بناء نظام مصرفي موازٍ للنظام الغربي هدف يستحق محاولة اجتذاب السعودية كشريك في «شنغهاي» و«بريكس»،” ولا ننسى هنا أن اجتذاب السعودية يعني اجتذاب كامل دول الخليج العربية مع حلفائها خارج المنطقة، مثل مصر، الأردن، المغرب، السودان، وحتى العراق”.

– من المتوقع أن يصل حجم التجارة بين إيران والصين إلى 400 مليار دولار بعد توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بينهما العام الماضي لمدة 25 عاماً، ومن المنتظر توقيع اتفاقية مماثلة بين إيران وروسيا خلال العام المقبل.

– الصين وروسيا أعضاء في النادي النووي، ومن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وتمتلكان حق النقض” فيتو”.

– هذا الـ«فيتو» هو في حدّ ذاته جبهة بمواجهة الولايات المتحدة، خبرتها جيداً خلال العقدين الماضيين، وبما عرقل الكثير من مخططاتها وحروبها العسكرية.

اليوم تريد روسيا والصين وإيران تفعيل هذه الجبهة بصورة أكبر، وتريد استقطاب تحالف دولي أوسع إليها، لتنضم إلى الجبهات الاقتصادية، وبما يُعجل من هدف تحقيق عالم متعدد الأقطاب لا تكون فيه الولايات المتحدة هي الآمر الناهي.

في الأول من كانون الأول الجاري أعلن مندوب روسيا الدائم في المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف أن الصين وإيران وروسيا باتت تشكل «مثلثاً جديداً» في الدبلوماسية الدولية متعددة الأطراف، فهي تجري مشاورات مثمرة حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، هذه الصيغة الثلاثية حسب أوليانوف يمكن أن «تتوسع بسهولة» لأن “هناك الكثير من الدول- وربما معظمها-  تؤيد وجود عالم متعدد الأطراف وتعارض محاولات إبقاء العالم أحادي القطب على قيد الحياة”.

وسبق للصين أن أعلنت “استعدادها للعمل مع روسيا ومع الدول ذات التفكير المماثل لتعزيز عالم متعدد الأقطاب، بشكل حاسم”.

الصين والسعودية تمتلكان أكبر كمية نقدية عائمة في العالم وبالتالي فإن بناء نظام مصرفي مواز للنظام الغربي هدف يستحق محاولة اجتذاب السعودية كشريك

وكانت 16 دولة، على رأسها روسيا والصين وإيران، أعلنت بداية العام الماضي تنظيم جهود مشتركة للدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة وعن التعددية في اتخاذ القرارات الدولية.

الآن.. إذا ما نجحت تلك الجهود فهذا يعني:

– نزع سلاح الهيمنة على القرارات الدولية، الذي ترفعه الولايات المتحدة لفرض عقوبات أحادية الجانب على الدول التي تعدّها «خصماً أو منافساً أو تهديداً أو مُعرقلاً…الخ» وذلك عندما لا تستطيع فتح جبهات عسكرية ضد هذه الدول، وعلى رأسها:

* الصين التي دخلت معها في حرب تجارية شاملة منذ عهد ترامب ومستمرة مع عهد بايدن.

* إيران التي تفرض عليها عقوبات منذ ما يزيد على أربعة عقود “توقفت مع توقيع الاتفاق النووي عام 2015 وعادت مع انسحاب إدراة ترامب منه وما زالت قائمة مع إدارة بايدن”.

* روسيا التي تفرض عليها «بتواطؤ أوروبي» عقوبات واسعة على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وحتى قبل ذلك كانت هذه العقوبات قائمة بصورة غير مباشرة على خلفية ما تعدّه الولايات المتحدة تهديداً روسياً عاجلاً، فيما تعدّ الصين تهديداً آجلاً ما زالت تملك الوقت للتعامل معه، رغم أنه أكثر إقلاقاً وفق «استراتيجية الأمن القومي الأميركي» للعامين الحالي والماضي 2021-2022.

اعتماد مبدأ «الكثرة».. أي قوة العدد لتشكيل جبهة ضغط واحدة بمواجهة الولايات المتحدة وبما يمنعها من فرض القرارات التي تريد

– انكفاء أميركي مقابل تماسك وتمدد مثلث روسيا – الصين – إيران، حيث إن جميع مكونات هذا المثلث بدوله الثلاث الأساسية – والدول المتحالفة معها- تسير مع بعضها بعضاً بشكل متناغم لخدمة هدف واحد هو تشكيل عالم متعدد الأقطاب، ولم تنفع الولايات المتحدة محاولاتها اللعب على تناقضات دول هذا المثلث، لأنها لا تفهم الخصوصية التي قام عليها والتي يعمل بها، وأن كل دولة من دوله لها موقعها الجغرافي- السياسي الذي يفرض عليها أجندات خاصة بها، ليس بالضرورة أن تكون متوافقة مع الدول الأخرى لكنها في الوقت نفسه لا تمنع التعاون ولا التحالف، كما أنه ليس من المطلوب أن تكون «دولة في خدمة دولة» بمعنى؛ أن تلغي نفسها ومصالحها الوطنية العليا كرمى دولة أخرى، كما هو حال الولايات المتحدة مع “حلفائها”.

– اعتماد مبدأ «الكثرة» أي القوة العددية، لتشكيل جبهة ضغط واحدة بمواجهة الولايات المتحدة وبما يمنعها من فرض القرارات التي تريد، وسبق لروسيا والصين أن شكلتا جبهة «فيتو» واحدة ضد المخططات الأميركية في سورية، وبما أعطى نموذجاً يحتذى لعدم ترك العالم رهينة في يد الولايات المتحدة، هذا المثلث هو في رأي المحللين الاستراتيجيين أهم تطور جيوسياسي منفرد في العقد الماضي.. وهو أخطر ما تواجهه الولايات المتحدة في هذه الألفية.

أقرأ أيضاً:

مواجهةُ أميركا.. التكتل أولاً

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
السفير علي أحمد: «لجنة التحقيق المعنية بسورية» منفصلة عن الواقع.. ومزاعم الحرص على حقوق الإنسان لا يمكن أن تتسق مع استمرار الاستغلال الفاضح لقضايا نبيلة لتهديد مصائر شعوب بأكملها قانون إعلام جديد يلبي طموحات الإعلاميين في سورية... وزير الإعلام يعلن من اللاذقية أفقاً رحباً للشراكات البناءة السفير آلا: تعزيز الدعم الدولي لبرامج التعافي المبكر وإعادة الإعمار في سورية لتأمين عودة النازحين الخامنئي يدعو إلى المشاركة الواسعة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الصين تجدد مطالبة الولايات المتحدة بوقف نهب موارد سورية وإنهاء وجودها العسكري فيها «ناتو» والعناوين المستترة في قمته المقبلة.. ظل ترامب يُخيم.. غزة ولبنان يتقدمان.. وأوكرانيا حاضر غائب الصحة العالمية: تأثير سلبي يشمل فرص التعليم والعمل..العزلة الاجتماعية تزيد خطر الوفاة 32% "التجارة الداخلية" تشكّل  لجنة لإعادة دراسة تكاليف المواد والسلع الأساسية على أرض الواقع مجموعة سفن حربية روسية تصل إلى سواحل فنزويلا في مهمة سلام بايدن يواجه شكوكاً متزايدة من الديمقراطيين.. 25 عضواً يستعدون لمطالبته بالتنحي