يوميات الحصار على سورية
تشرين- عماد خالد الحطبة:
منذ بداية الحرب الظالمة على سورية لجأ العدو إلى سلاح الحصار الاقتصادي والعقوبات في محاولة للضغط على الدولة السورية للخضوع للمشاريع الدولية، ابتداء من إسقاط نظام الحكم، وتعديلاً نحو مشاركة عملاء الغرب في الحكم، انتهاء بقبول بقاء الدولة السورية على حالها مقابل تعديلات دستورية قانونية تقوض سلطة المركز السياسي للدولة وتسمح بإنشاء كيانات شبه سياسية لا تخضع كلياً لسلطة الدولة وترتبط بعلاقات عمالة مشبوهة مع العدو، ما يجعلها سيفاً مسلطاً على رقبة الدولة والشعب.
كان الرد الوطني السوري واحداً في كل المراحل، إيقاف دعم الإر*ه*اب، استعادة سلطة الدولة على كلّ شبر من أراضي سورية، وقيام حوار سوري– سوري من دون شروط مسبقة ومن دون تدخل خارجي.
كان الانتقال من مرحلة إلى أخرى مرتبطاً بفشل الخيارات العسكرية للعدو وعصاباته الإر*ها*بية وتصاعد قوة الدولة السورية وحلفائها، ولم يكن أمام العدو سوى تشديد الحصار الاقتصادي وتوسيع نطاقه.
لكن سورية التي قامت بنيتها الاقتصادية على مبدأ الاعتماد على الذات خاصة في مجال السلع التموينية والأساسية، لم تتضرر بالشكل الذي أمله الأعداء بإجراءاتهم، فكان لا بدّ من اللجوء إلى وسائل تطول قدرة الدولة السورية على الاعتماد على الذات.
في البداية كان الاستيلاء على منابع النفط في المناطق الشمالية، وتمركز قوات الاحتلال الأميركي في محيط آبار النفط التي سلمت لميليشيا «ق*س*د» الإر*ها*بية الانفصالية، جاء بعدها تفعيل قانون قيصر الذي فرض حصاراً على سورية من جميع الجهات بما في ذلك وصول المشتقات النفطية عن طريق البحر، لقد أدى تفعيل هذا القانون إلى الحد من قدرة سورية على تصدير منتجاتها المختلفة، ما أثر في احتياطي الدولة من العملة الصعبة الضروري لشراء المواد الأساسية وفي مقدمتها المشتقات النفطية، ورفع التكاليف الإنتاجية وأدى إلى زيادة مطردة في أسعار المواد، وانخفاض في سعر الليرة نتيجة التضخم.
وكما هو معروف عبر التاريخ، فإن الأزمات المرتبطة بالحروب تفتح الباب أمام أقذر نوع من التجار، تجار الحروب الذين يستغلون الأزمة لتعظيم أرباحهم من خلال استغلال حاجات الناس، والمضاربة بأسعار العملات، والتهريب، معظم هؤلاء التجار ينتهون عملاء للعدو الذي يستخدمهم عملاء في الداخل، لا يقل دورهم عن دور العصابات الإر*ها*بية.
لم يقتصر الأمر على عملاء الداخل، وضغوط العدو المباشرة، فقد توسعت مشاركة الأشقاء العرب في فرض الحصار على سورية من خلال إغلاق حدود بلدانهم، واللجوء إلى أقصى إجراءات التضييق على المسافرين من وإلى سورية عبر بلدانهم، من ساعات انتظار طويلة على النقاط الحدودية، إلى إتلاف المواد التموينية والغذائية التي يحملها المسافرون بالاتجاهين، والهدف هو التضييق على المواطن والتاجر السوري وحرمانه من تصريف منتجاته باتجاه دول الجوار بعد انخفاض القدرة الشرائية للمواطن السوري.
تتسع دائرة الحصار لتصل إلى الجامعة العربية، التي ترفض تحت الضغوط الأميركية إعادة سورية إلى موقعها الطبيعي كدولة مؤسسة للجامعة، وهذا الإجراء لا يمنع سورية من ممارسة دورها السياسي ضمن المجموعة العربية فحسب، بل يؤثر في إمكانية سورية الاستفادة اقتصادياً من المشاريع العربية المشتركة، ومن القروض الميسرة التي تقدمها بعض الصناديق العربية، ويوضح الباحث الاقتصادي زياد غصن أن سورية استفادت «في الحصيلة، في قطاعات المشروعات الممنوحة قروضاً من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، كان هناك نحو 15 قرضاً مخصّصاً لتطوير المنظومة الكهربائية، و6 قروض لمشروعات مياه الشرب والصرف الصحي، و6 قروض لمشروعات التنمية المحلية في مناطق جغرافية مختلفة من البلاد، وكان هناك قرضان لتحسين خدمات شبكات الاتصالات وتوسيعها، وقروض أخرى لمشروعات في قطاعي الصحة والري وغيرهما»، لقد توجهت جميع هذه القروض إلى قطاعات تنموية كما يوضح الباحث، وقد ألغي قرضان بقيمة 30 مليون دينار كويتي مع بداية الحرب على سورية، كان أحد هذين القرضين موجهاً لإنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في المنطقة الشرقية.
تفاقمت الأزمة مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاعات خيالية على أسعار الوقود والمواد الغذائية وأجور الشحن، ما انعكس على معظم الاقتصادات العالمية بشكل قاس، وكان نصيب الاقتصاد السوري مضاعفاً بسبب الحرب الظالمة المستمرة منذ أحد عشر عاماً، واستمرار سياسة الحصار والعقوبات.
قي ظل كل هذا علينا- كمواطنين عرب- أن ندرك أننا شركاء في الحصار على سورية، شركاء بشكل مباشر عندما نحجم عن زيارة سورية وجعلها مقصدنا السياحي الأول، وعندما نتعامل مع السوق السوداء وتجار الحرب على حساب الدولة السورية، علينا أن نعدّ أنفسنا سوريين، وأن نذهب إلى سورية وعلى المعبر الحدودي نقوم بتصريف مبلغ مئة دولار على الأقل من المصرف التجاري السوري، إن العروبة ليست تشجيع فريق كرة قدم يفوز في مباراة دولية فحسب، بل هي مد يد العون إلى أخيك العربي في كل بقعة من بقاع هذا الوطن.
كاتب من الأردن